Al Jazirah NewsPaper Friday  16/01/2009 G Issue 13259
الجمعة 19 محرم 1430   العدد  13259

هموم وشجون حول فلسطين
د. زاهر بن عواض الألمعي

 

ما يجري في (غزة) من قتل وتدمير على أيدي الصهاينة جريمة نكراء ووحشية بكل ما يتحمله هذا اللفظ، فالنساء والأطفال والعجزة تطبق على رؤوسهم المباني وتمزق أجسادهم أشلاء على مرأى ومسمع من العالم الذي يدعي الحضارة ويتمظهر بحماية حقوق الإنسان. والحقيقة أن اجتياح (غزة) اليوم هو امتداد لنكبات الشعب الفلسطيني على أيدي الصهاينة بمساعدة الدول الظالمة منذ ستين عاماً.

لكن حرب الإبادة في (غزة) اليوم جاءت دفعة واحدة باستخدام جميع الأسلحة براً وبحراً وجواً بأحدث ما وصلت إليه تقنية الأسلحة المتطورة.

وما حدث قبل ذلك في (جنين) و(نابلس) و(الخليل) وغيرها من مدن الضفة الغربية خير دليل على ما أقول.. فلم يتوقف العدوان الإسرائيلي عن القتل والأسر والتدمير حتى في ظل اتفاق (أوسلو) الذي انتهى بمحاصرة رئيس السلطة الفلسطينية (ياسر عرفات) والتآمر على قتله قتلاً بطيئاً حتى الموت.

وإسرائيل لا تحترم المواثيق الدولية فقد هاجمت سجن (أريحا) في الضفة الغربية واقتادت (أحمد سعدات) ورفاقه من سجن السلطة الفلسطينية وأكملت بهم عشرات الآلاف من الفلسطينيين في سجون إسرائيل! فالعدوان مستمر، وبناء المستوطنات متواصل، وتهويد القدس على قدم وساق، وتقطيع أوصال الضفة الغربية بالجدار الفاصل لا يتوقف، والمسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى رسولنا الأمين -صلى الله عليه وسلم- تدنسه الصهاينة ويمنعون المصلين من دخوله متى شاءوا وكيف شاءوا!

إذاً: أين السلام الذي يتحدثون عنه؟ وأين نتائج المؤتمرات واللقاءات لحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً؟ إنها معضلة كبرى وعار وشنار!.. ما الذي حل بالعالم من بؤس وشقاء عندما يرى الأبرياء من النساء والأطفال والعجزة تمزقهم آلة الحرب الإسرائيلية وتدمر بيوتهم وتنتهك أعراضهم؟!

إنه لا يسرنا أن نرى هذه المظاهر الوحشية البشعة حتى في مواطني إسرائيل من النساء والأطفال والشيوخ، فكيف بإخواننا الذين تربطنا بهم رابطة الدين والوطن والجوار! فهل يصحو العالم من غفلته وتواطئه أمام هذه الأحداث؟!

هناك وقفات لابد منها:

الأولى: موقف الدول العربية والإسلامية مما يجري في (غزة) اليوم:

أقول: بكل أسف إنها حتى الآن أقل مما يجب فعله، فما الذي يضر بعض الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أن تستدعي سفراءها على الأقل وتبين انزعاجها من هذا العدوان الإسرائيلي، وتطلب بقية الدول سفراءها في الدول المنحازة لإسرائيل للتشاور معهم، وهذا أقل ما يمكن من النصرة والتأييد للفلسطينيين في (غزة).

نعم: دعم جامعة الدول العربية للاجتماع الطارئ وتمخض الاجتماع عن إرسال وفد رفيع المستوى لمطالبة (مجلس الأمن) بإصدار قرار ملزم بوقف العدوان الإسرائيلي فوراً.

وبقي الوفد مشكوراً يترجى ويناشد أهل الحل والعقد من الدول ذات التأثير والنفوذ على (مجلس الأمن) حتى انعقد المجلس، وامتنع عن التصويت من امتنع!

وصدر القرار بالأغلبية بصيغة مملوءة بالمحاذير والمفاجآت.. وانتظرنا تطبيق القرار بوقف العدوان، فإذا قادة إسرائيل لهم رؤية أخرى وفهم آخر للقرار غير ما فهمه الآخرون، إنهم يقولون قرار (مجلس الأمن) قرار سياسي وينبغي أن يتعامل معه السياسيون الذين يحسنون الدخول في دهاليز السياسة! فأما قادة الجيش فلهم مهمات محددة لابد من إنجازها بعيداً عن القرارات الدولية!!

إذاً: فلما الضجة والتعب طالما أن القرار غير ملزم وليس له قوة تحميه وتفرضه على المعتدي.

من هنا نعلم أهمية الموقف العربي الموحد الصامد قبل التعامل مع (هيئة الأمم أو مجلس الأمن) لتكون النتيجة فاعلة محترمة.

فأما طلب النجدة وبعثرة الجهود من غير إرادة قوية نافذة فإن هذا العمل لا يرفع ظلماً ولا يرد عدواناً.. لقد قلت قبل ثلاثين عاماً.

لا مجد للعرب مادامت حناجرهم

في كل أمر تنادي هيئة الأمم

أما (مجلس الأمن) فكم كنا نتمنى أن تكون له سلطة رادعة للمعتدي وأنه يمتلك الآلية لتنفيذ قراراته دون تعطيل من الدول التي لها حق النقض (الفيتو) ولا أدري كيف اكتسبت هذا الحق؟ هل هو منطق القوة ونشوة الانتصار في الحرب العالمية؟! أم هو الضعف والتخلف في الدول الأخرى؟ وقد ظهرت الآن قوى عالمية أخرى ينبغي أن يضرب لها حساب، وأن يعاد النظر في نظام كثير من الهيئات الدولية تبعاً لتغيرات موازين القوى في العقود القادمة.

إن (مجلس الأمن) بصفته الراهنة يلوذ به الضعفاء ويرتمي في أحضانه المستسلمون، ومع ذلك لا يستطيع حمايتهم لأن الدول ذات النفوذ تسيطر على قراراته وتوجهاته، لو نظرنا في قرارات (مجلس الأمن) فيما يتعلق بإسرائيل لوجدنا مئات القرارات لا ينفذ منها إلا ما كان في مصلحة إسرائيل أو يخدم مصالح الدول ذات الهيمنة الاستعمارية.

إذاً: ما ذنب الشعوب والدول المستضعفة إذا فقدت ثقتها في (مجلس الأمن)؟ ولا ألوم الشاعر عندما قال:

(مجلس الأمن) ثوث أعلامه

وارتدى بالظلم نهجاً وشعارا

قد شهدنا ما به من شللٍ

يهدر الحق ولا يحمي الذمارا

ليس للحق به معتصم

كلما لذنا به لفّ ودارا

كل يوم جلسة طارئة

وقرار هائم يتلو قرارا

منطق القوة يحيى منطقا

يفرض الحق إذا ما لخطب جارا

أسوق هذه الأبيات تحت تأثير ما يجري لإخواننا في (غزة)، فلا (مجلس الأمن) نصرهم بفرض قراره بوقف العدوان، ولا استطاعت الدول العربية أن تمد أهالي غزة بالسلاح للدفاع عن أنفسهم، وماذا بعد؟!

- نحن نحارب الإرهاب أينما كان وكيف كان، فليس له جنسية ولا وطن -.

ولكن ألا يرى القارئ الكريم أن انحياز بعض الدول الكبرى لإسرائيل واستمرار إمدادها بالسلاح وأحدث المؤن والمعدات العسكرية. عامل مساعد على إيجاد المناخات المناسبة لنمو الإرهاب؟!

الوقفة الثانية: موقف المملكة العربية السعودية من الحدث:

لست في حاجة إلى استعراض مواقف المملكة العربية السعودية لنصرة القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وإمداد الشعب الفلسطيني بالمال عن طريق صندوق الدعم العربي، أو الدعم المباشر وفتح المراكز للتبرعات الشعبية والإغاثة على امتداد هذا الوطن، وهذا واجبها، تقوم به بنفس كريمة أبية، ومازالت تقوم بجهود مشكورة في رأب الصدع بين الفلسطينيين مثل دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى مؤتمر المصالحة الوطنية بين الفلسطينيين في مكة المكرمة، حرصاً على وحدة الصف الفلسطيني وقد غادروا المملكة متفقين على كل شيء، ولكن يبدو أن هناك أطرافاً داخلية أو خارجية لم يرق لها هذا الاتفاق، فذهبت لإشعال نار الفتنة بينهم من جديد وغرست بذور الاختلاف حتى انقسم الفلسطينيون على أنفسهم.

واليوم يتواصل الدعم السعودي لسكان (غزة) الباسلة وقد فتحت المملكة مستشفياتها لقبول الجرحى والمصابين من أهالي (غزة) وينتظر منها المزيد على قدر مكانتها كما قال الشاعر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم

أقول هذا لمن يشكك في مواقف المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً.

وأعود لإخواننا في (غزة) وهي تتصدى للعدوان ببطولة وبسالة أذهلت العدو وأقضّت مضاجع القيادة العسكرية في إسرائيل، وأقول للمقاومة: كان الله في عونكم وأمدكم بنصره، وقد قررتم تطبيق قول الشاعر:

وإذا لم يكن من الموت بدٌ

فمن العار أن تموت جبانا

إنني أحييكم وأقول لكم أيها المجاهدون الأبطال:

ليس موتاً إذا قضى النحب حرٌ

في ثبات يهزّ ركن الأعادي

إنما الموت أن تنام على الذل

ونهوي لساحة الإخلاد


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد