Al Jazirah NewsPaper Wednesday  21/01/2009 G Issue 13264
الاربعاء 24 محرم 1430   العدد  13264
ورحل عمدة الجبلين
سعود الطرجم

 

وسط هدوء بعد استيقاظ (ضحوي) جاءت رسائل متوالية...!!

كنت ولا أزال أول ما تقع عيناي عليه اسم المرسل.. ومن ثم الفحوى...!!

رسالة (رئيس الشبة) من المؤكد أنها تنطوي على أمور الرحلة الأسبوعية...!!

صدق حدسي..!! فقد كانت عن الرحلة..!! ولكنها نهاية رحلة دنيوية...!!!

كانت حروف (أبا ممدوح) كوخز سكاكين حادة في جوف بريء...!!

النص (عبدالعزيز الجروان - أبو أحمد - إلى رحمة الله والصلاة عليه عصراً بجامع برزان...!!!!)

استجمعت قواي..!! أعدت القراءة...!! تهجأت الحروف..!! ركزت بالاسم..!!

أبو أحمد...!!! أبو أحمد...!!! أبو أحمد...!!! معقولة (عزوز) مات...!!

جاء الصدى العقلاني (ولما لا..!!) (فكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)..

***

آآآه.. آآآآآآآ يا أبا أحمد.. يا رمز الطيبة بل أنت الطيبة ذاتها.. آآه يا أبا أحمد يا براءة الطفولة التي سكنت دواخلك ولم تغادرك حتى مماتك...!! آه يا أبا أحمد يا صاحب القلب الأبيض بل أنت بياض يكسي القلوب.. آآه يا ملحنا وضحكتنا ويا مبدع الضحكة البريئة...!!

الجموع تحمل جثمانك الطاهر وأنا أتخيل وجهك الشامخ (وشنباتك) المميزة وأنت تطل علينا وتقول:

(وش بكم تبكون؟؟ أنا رايح وأنتم تبون تلحقون..!! الدنيا ما تسوى يا الربع..!!). حتى بمماتك أنت بسيط.. وعفوي.. رحلت دون إعياء لغيرك.. رحلت فجأة وبدون أي مقدمات.. آآه لك الرحمة ولنا العزاء..

آآه يا أبا أحمد.. ليتك رأيت الجموع المشيعة.. لتعلم كم هو رصيدك (المليونيري) من حب الحائليين..!!

أبا أحمد فلتهنأ بقبرك.. فشهود الله بأرض الله.. فطوال حياتك البسيطة لم نسمع لك من خصوم.. ولم نشهد لك من أعداء.. ولم يرو لنا أن لك كارهين.. وهذا هو الرصيد الذي تحسد عليه..!!

***

عدنا يا عمدتنا من المقبرة وتركناك مع الطاهرين (الراجين للرحمة) تركناك جسداً ولكنك تسكن قلوبنا وتتفيأ دواخلنا.. وستظل معنا إلى أن نلحق بك..

أبا أحمد ماذا أقول؟؟ وماذا أروي؟؟ ومن أين أبداً؟؟ وكيف أنتهي؟؟

عرفتك وأنا طفل لم أبلغ العمر الدراسي.. حين دخلت النادي لأول مرة مع أطفال الحارة.. حينها كنت لنا عاتباً وموجهاً بعد (كسري مضرب التنس) وكان ردنا الهروب وترديد (يا أبو شنب.. ما فيه عنب..!!) حينها زلزلت ضحكتك المميزة التي لا تتوقف حتى تدمع عيناك وأنت تتابع مواويل شقاوتنا ضدك..!! وكانت تلك أول مماحكة ومعرفة ب(أبو شنب).. الذي لم أعلم أنه سيكون الأخ.. والأستاذ.. والصديق.. والرفيق والحبيب.. في مشوار قارب الأربعين عاماً.. حيث تعلمنا من هذا (الجبل) دروساً عدة في مواد (المحبة) و(الإخلاص) و(الانتماء)..

***

أبو أحمد هذا الرجل الذي يدخل القلوب دون استئذان له (كاريزما) خاصة جعلت من الجبلاويين يقدمونه لأي زائر للنادي مهما علت مكانته.. ومهما تقدمت شهادته ومهما ارتقت مسؤوليته.. ليتكلم معه في البداية وليعبر عما يجيش بخاطرة ببساطة وتلقائية وعلى الطبيعة دون تكلف (نيابة عن الجميع) وهم واثقون أن هذه الكاريزما لا تجعل الضيف أو المسؤول يبدي رضاه وتقبله فقط.. بل هو من يلح على طلب صداقة ومعرفة (أبو أحمد) رحمه الله. والاستماع إليه والاستزادة منه تعليقاً وتنكيتاً.. والذي ميزته البساطة والتلقائية بنبرات لهجة حائلية موغلة في المحلية والمصطلحات القديمة البسيطة والمقبولة..

رافقت (أبو أحمد) في مشاوير عديدة ومهام متعددة كانت النقاوة معدنه.. والبساطة ميزته.. والصدق ديدنه.. (والمرجلة) أهم قيمه.. لا يتكلف في كلامه.. ولا يخرج عن (محليته).. ولا يحضِّر لمواضيعه لذا عاش بسيطا.. ومات بسيطاً.. وأحبه البسطاء.

.. وفي هذه اللحظات التي أحاول أن أستجمع أفكاري لتسطير (نعي) فيه أجدني أخرج من الحزن وأنا أتذكر هذه السيرة الرائعة.. والشخصية المحبوبة.. والرجل البسيط.. وكأني بصدد كتابة رواية مشوقة.. وحكايات مسلية.. لأنعي ميتا.. تستحضر فيه عبارات الفاجعة.. وجمل الكآبة.. وسطور الأحزان.. وتلك ميزة للعمدة أبي أحمد رحمه الله حتى بعد مماته..!!

***

لأبي أحمد حكايات بطولية تبدأ من كونه الشخص الوحيد الذي رافق الجبلين منذ أن وضع أول حجر بملعبه إلى أن وضع الحجر على قبره رحمه الله فلم يتخلف عن الجبلين أياماً إلا من مرض أو سفر..!! وقد سجل التاريخ الجبلاوي أنه الشخص الوحيد الذي كان مع كل الإدارات وبجانب كل الرؤساء (بدءاً بالملاقي والجويرة والبكر والملق والزامل والأمير بندر مروراً بالسيف والتمامي والصوينع والراجح وانتهاء بالعفنان والزنيدي والطرجم والهذيلي والسيف). خدم الجبلين مؤسساً ولاعباً وإدارياً ومشرفاً وعضو شرف. وخدم المنطقة مربيا ومعلما وحكما ومندوبا. كان قلبه الطاهر يخفق بحب الجبلين والجبلين فقط.. لا يهمه الأشخاص ولا يبحث عن المصالح ولا تتحكم به الأهواء فلم يكن هواه غير (البني).. ولم يكن له هدف غير (فوز الجبلين).. ولذا كان ل(أبو أحمد) تقدير خاص.. ومكانة خاصة.. لدى كل من عملوا بالنادي حيث لا يستطيع أي مسؤول تجاهل هذه القامة مشاركة واستشارة وتشريفاً..

وقد كان رحمه الله مجابا فيما يطلب مهما صعبت المهمة ومهما تعقد الوضع ومهما تقطعت السبل.. لأنه وببساطة محب للجبلين بصدق.. ووفاء.. ونقاء.. لا يشك به أي شخص ولا يستطيع رفض طلبه أي جبلاوي.. وكم من أمر توقف عند حد معين وحين استعين بأبي أحمد تسهلت المهام وحلت العقد.. وكانت أبسطها مشاكل اللاعبين وانقطاعات بعضهم التي دائما ما تجد الحلول عند أبي أحمد رحمه الله.. ولم تتوقف شفاعاته ومواقفه عند حد اللاعبين بل حتى رؤساء النادي وإداريوه وعلى مر تاريخ النادي لا يستطيعون رفض طلبه رحمه الله.. (في موسم ما وبعد أن أنهى أحد الرؤساء فترته القانونية قدم استقالته الرسمية وكان الجبلاويون مصرون على التمسك به وهو مصر على فتح المجال لغيره لانتهاء فترته ولرغبته في مواصلة دراساته وحين انتهت الحلول كان ل(أبو أحمد) القول الفصل حين قال أمام جمع من الجبلاويين بنبرة أبوية حانية وعين دامعة وبلهجة مبسطة تحمل (مليون) معنى مع أنها تتكون من أربع كلمات نصها: (تكفى يا ... نخيناك لا تخلينا) حينها بكى الرئيس. وقبل رأس أبو أحمد وقال: (أنت غالي والبني أغلى ولا عاش من يرد طلب العمدة).. ولم تتوقف مهام العمدة عند حد التدخل بالشفاعة الإيجابية أو الإدلاء بالرأي المفيد أو المشاركة بالعمل المطلوب بل كان له رحمه الله دور في أداء أدوار رائعة ومهام جسيمة مع جهات رسمية خارج المنطقة ومع العديد من الجهات فقد كانت (الفزعة) أحد مزاياه (والنخوة) إحدى سجاياه رحمه الله..

***

أبا أحمد أحاول أن أكتب (نعياً) يليق بمكانتك لدينا وإذ بي أخرج عن النص السوداوي لأراك أمامي وقد اقتعدت مكانك في (الدكة) ورميت (الشماغ) تحت رجليك. وجادلت رفيق دربك (أبو محمود) والتفت إلى (أبوسالم) مقلدا ثم تجلجل بضحكتك المعهودة وعباراتك البريئة حين تشاغب ابن عمك (فهد) لتضحكنا بعباراتك التي لم ولن تفارق آذاننا.. لوحة مضيئة رسمتها أبا أحمد ورفاق دربك من الجبلاويين المخلصين ملئت بألوان الحب والإخلاص والوفاء والترابط الأخوي والبساطة والعفوية التي أنستنا سنوات عدة أي مهام وبرامج غير تجمعنا بالنادي وترابطنا من أجله والعمل على رفعته بروح أخوية وحس جبلاوي أصيل.. آآه يا زمن.. آآه يا وفاء.. آآه يا ترابط..

***

آخر المحطات

منذ أن كتبت عن (أبي أحمد) قبل أكثر من ربع قرن بإحدى مقالاتي الصحفية بأنه (عمدة الجبلين وحلال العقد) وأنا لا أناديه إلا ب(العمدة) وقبل أيام من رحيله قابلته وأومأت له محييا ومردداً (مرحب يا عمدة) فأشر رحمه الله وطلب وقوفي وبعد السلام واستقصاء آخر أخبار النادي.. تساءل عن مشروع جبلاوي أتبناه منذ سنوات فقلت له: إن شاء الله بالطريق؟؟ فقال إلى متى بالطريق؟؟ نجزنا؟؟ اخلص؟؟ فقلت: تامر يا عمدة..!! ولم أعلم أن ذلك آخر حوار ولا تزال عبارة (إلى متى؟؟) تحفر ذاكرتي..!! رحمك الله أبا أحمد وأسكنك فسيح جناته.. لك المغفرة ولنا العزاء والصبر والسلوان..

استدراك

أعلم قبل غيري أنني غير مرتب الكلمة..!! ولا مترابط الجملة..!! ولا متسلسل المعلومة..!! ولم أكتب (لا نعيا) ولا (سالفة).. وإنما هي (خطرفة) حمى الفراق.. فلا تلوموني.. وادعوا لحبيبنا بالرحمة (آمين)..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد