Al Jazirah NewsPaper Friday  23/01/2009 G Issue 13266
الجمعة 26 محرم 1430   العدد  13266
حولها ندندن
الإنعاش
د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

 

كان اجتماع القمة العربي الاقتصادي الأخير المنعقد في الكويت أشبه بجلسة العزاء الوقورة التي تعقد بعد وفاة عزيز على الجميع، حيث يتدارك الأحياء ما فاتهم في حق الميت من تقصير، كما يعاودون مراجعة مواقفهم التي قد سرقتها عقارب الزمن، دون أدنى مراجعة لما قد يُران عليها من قصور بشري لأي دافع من الدوافع.

حيث يحدث تصالح كبير بين الأحياء، قد يكون أشبه بالمعجزة، وذلك إكراماً منهم لذكرى العزيز المفقود، مثلما يحدث بين الإخوة المتقاطعين بعد وفاة أحد والديهم أو هما معا، رغم أنه تصالح متأخر إلا أنه يسر الجميع لأنه من ناحية: إرضاء لذكرى الفقيد، ومن ناحية أخرى إرضاء لله وهو الرضا الأهم، ثم إسعاد للأحياء الذين عانوا كثيرا وسخطوا من هذا التمزق.

وهكذا تم في اجتماع القمة الأخير الذي هو أشبه بالإنعاش للرمق الأخير من الأخوّة العربية، وبالتالي بقايا أمل الوحدة العربية التي هي الأمل الحقيقي في عزة العرب والمسلمين، وسلامتهم من استهانة الأعداء بهم استهانة رأينا أحد أنواعها في القصف الإجرامي لغزة، مما يؤكد أن العدو لا يرقب فينا إلاٍّ ولا ذمة ولا خشية ولا هيبة ولا حتى احتراما، لأنه رآنا متمزقين فاقدين الثقة في بعضنا البعض، فهُنّا عليه حينما هُنّا على أنفسنا.

كما ظهر الدعم السخي للمنكوبين والمنكوبات الذي هو أشبه بالدواء الذي يمسح بعض الجراح ويداوي بعض الآلام ويعيد البناء إلى النفوس المتهدمة والبنية المنهارة، وفي مقدمة الهبات الكريمة الهبة السعودية الجزيلة، إضافة لهباتها المعنوية الدائمة.

يبدو أن أحداث غزة قد أعادت الإحساس إلى جسد أمتنا الممزق، وأدخلته غرفة الإنعاش لعل روح الحياة تدبّ فيه مرة أخرى بعد أن طالت مرحلة اليأس المؤلمة نتيجة بعض الأحداث المؤلمة والمؤسفة وفقدان الثقة في بعضنا البعض، حتى طمع القاصي والداني في أمتنا العربية ووصلت أو كادت أن تصل إلى مرحلة غثاء السيل.

فما أحوج أهل العروبة إلى أخذ العبر مما حدث، واعتبار المرحلة القادمة مرحلة التقاط أنفاس ومراجعة للذات، كي لا تتكرر المأساة بشكل أفدح مأساوية يطال شره الجميع لا قدر الله، لاسيما وقد رأينا إرهاصات عربية مبشرة واعدة في مؤتمر الكويت الأخير من تصالح وتراحم وتعاطف وتعاون.

ولعل من أهم هذه العبر المتوجب علينا كعرب مسلمين أن نتخذها هو وسطية النهج، فلا يحرّم أحد على المسلمين أمل الجهاد وتحرير المقدسات، كي لا يحدث بعده اندفاع غير مدروس ولا مدعوم، فالنظرة الأشمل والأبعد هي النظرة المعتدلة التي لا تقصي طرفا وتقرب آخر، فيحدث بعده انفجار مكبوت غير محمود العواقب، فإعداد الوضع وإصلاحه منذ مبتدئه خير من دفع الثمن باهضا بعد فوات الأوان، وأمرنا نستقيه دائما وأبدا من تعاليم القرآن والسنة وليس من أي مصدر سواهما لعلنا نعود إلى سابق مجدنا، فقد أنهكتنا الهزائم والفرقة والهوان.



g.al.alshaikh12@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد