وحمل الملك الصادق عبدالله بن عبدالعزيز الراية، وارتفع فوق الخصومات وسار إلى تحقيق الغايات، ووضع في سبيل ذلك كل المعطيات، وشاءت إرادة الله أن ينجح مؤتمر القمة في الكويت في ظروف صعبة وجو مفعم بالقلق لدى كل عربي مخلص، ولكن الله سبحانه وتعالى شاء أن يتحرك هذا الملك الإنسان العربي الأصيل ذو النخوة والمروءة والأصالة العربية، وضحى بكل شيء ونسي الخلافات، وارتفع فوق الخصومات ومد يدا بيضاء لكل أخ عربي شعر بأن في احتضانه خير لهذه الأمة وعزتها وسموها، وبقي السؤال المهم وهو لماذا نجح عبدالله بن عبدالعزيز في حمل الراية بعد أن كادت تميل وكاد العود أن ينكسر والشمل أن يتشتت، حمل الراية في وقت راهن فيه كثير من الفرقاء على فشل المؤتمر وشتات أمر الأمة، ولكنه تحرك بنية صادقة، وكما نقول دائما ويقول حكماء الأمة: (صاحب نية يغلب أبو نيتين).
لقد تحرك هذا الرجل بنية واحدة مخلصة، وقد شعرنا بصدق هذه النية وهو يقول بعد المؤتمر مباشرة، وقد تحدثت إليه لأهنئه على هذا الموقف أنا ومجموعة من أبناء هذا الوطن: (والله يا إخوان إنما كان هذا الأمر بتوفيق الله وتدبيره وهو المعين والحمد لله ونسأله أن يعيننا والأخوة على إكمال المشوار).
هكذا رد هذا الملك المؤمن الأمر إلى الله فأعانه الله وتحرك لرفع كلمة الله وجاهد النفس وقهرها ليسمو فوق كل خلاف من أجل رفع كلمة هذه الأمة ولم شملها وتوحيد صفوفها فوفقه الله إلى حمل الراية ودعا الجميع ليمسكوا معه الراية فكان هذا النجاح الذي فرحت له الأمة بكاملها.
ويبقى السؤال اليوم كيف تواصل هذه الأمة المسيرة لتحقيق الهدف الأسمى الذي ننشده جميعا وهو أن نكون أمة واحدة ذات كلمة واحدة وهدف واحد نتعاون على البر والتقوى وأي بر في مثل هذه الظروف أفضل من جمع الكلمة ووحدة الصف وإنقاذ هؤلاء الأشقاء من ويلات الظلم والقتل وسفك الدم البريء بدون وجه حق وبدون ذنب ولا جريرة.
وكان الموقف الإنساني العظيم لهذا الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما أعلن أنه نسي كل الخلافات، ودعاهم لحمل الراية معه، ثم أعلن أن إخوانهم في المملكة العربية السعودية يساهمون في إعادة إعمار غزة بألف مليون دولار، ولكن قطرات الدمع التي بدت في عينيه كانت أعظم وهو يقول: (إن قطرة دم سفكت في غزة لا تساويها كنوز العالم ولا ملايينها) هكذا سما فوق الأحداث، وأشعر أخواننا بأننا معهم، ودعاهم صادقا لحمل الراية التي تجمع شملهم ونبههم إلى أن الفرقة إنما تخدم عدوهم ولا تحقق أي هدف من الأهداف التي يسعون إليها وأن طريق الحوار هو الطريق الصحيح الذي يوصلهم إلى تحقيق الأهداف ونكران الذات والعمل من أجل هذا الوطن السليب، ورحمة هؤلاء الذين تسفك دماءهم بين وقت وآخر وعلى مدى ستين عاما بدون رحمة ولا رأفة.
ويأتي السؤال المهم الآخر وهو كيف نحقق أهداف المؤتمر؟ وكيف يمكن أن ننجد هؤلاء الأشقاء؟ ثم كيف نحقق الأهداف الأساسية التي عقد المؤتمر أساسا من أجلها كقمة اقتصادية في مثل هذه الظروف، وكان الرأي الأمثل هو ألا نشكل مزيدا من اللجان ولكن برامج عمل دقيقة وخطط حكيمة تحقق توظيف أموال هذه الأمة بصورة تجنبها مزيدا من الخسائر والانهيار، وتعمل على برامج اقتصادية توظف هذه الأموال في سبيل الحفاظ على ثروات هذه الأمة لأن الثروات البترولية والثروات المعدنية وحدها لا تكفي، ولابد من توظيفها لخدمة الأهداف الاقتصادية، فهناك ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية داخل هذا الوطن يمكن أن تتحول إلى مصادر غذاء يغنينا عن العالم، وهناك مصادر مياه يمكن توظيف الأموال فيها حتى نتجنب كوارث المياه القادمة في المستقبل، وهناك ملايين الشباب في بلادنا العربية يشكلون القوة الاقتصادية الحقيقية، وهذه الطاقات لا يمكن الاستفادة منها إلا ببرامج تنمية بشرية تؤمن بأهمية رأس المال البشري، والطريق إليه هو التعليم والتدريب والتقنية في عصر ثورة التقنية وثورة الاتصال، ونحن أمة اقرأ أول كلمة أنزلت على هذا النبي الكريم، وقد رأينا أمامنا العديد من الدول التي نمت وارتقت وسادت في بعض الجوانب الاقتصادية في العالم وحققت درجات كبرى عن طريق التعليم.. والتعليم وحده.. والتركيز على صناعة الإنسان المنتج، فالطريق لنهضتها الاقتصادية من هنا ومستقبل تصنيع هذه الثروات يبدأ من هنا، وفق برامج دقيقة وخطط حكيمة وليس في تشكل اللجان، فقد تعلمنا في جامعاتنا بأن اللجان لا تحقق شيئا، وكانوا يقولون لنا إذا أردت أن تقتل موضوعا فأقم له لجنة، ولهذا فإن الانطلاقة تكون من برامج مرسومة بدقة وعلمية ووعي ومسؤولية تنشد أهداف نتطلع إليها جميعا حتى لا نصحو بعد سنوات وقد ضاعت الثروات ويحملنا الجيل القادم مسؤولية إهدارها.
ولك الشكر أيها الملك وأنت تتحرك بهمة وإخلاص وبلا ضجيج في الاتجاه الذي يخدم مصالح الأمة، وشكرا لك أن حملت الراية وتحركت برجولة وصدق وتحدثت بأمانة ومسؤولية.. لقد ضمدت الجراح وألغيت المزايدات وجزى الله رجال قيموا هذا العمل بأنه عمل صالح، ولم تشعل النار، أو تثأر لما أصابك من نقد غير منصف، وكلمات ابتعدت عن أدب الحوار، وإنما مددت يدا بيضاء لكل من أساء لأنك أردت نزع الفتيل وإطفاء النيران، ولعمري لقد كان حديثك حديث الرجال الأوفياء والزعماء المخلصين، كنت حكيما عاقلا محاطا بتوفيق الله عز وجل.
يا خادم الحرمين، وقد حملت وإخوانك الراية، فلابد من احتضان هؤلاء الأشقاء الذين مزقتهم الفتنة وشتت جهودهم وأدت إلى هذا الانقسام المؤلم ولابد من جمعهم مرة أخرى لإشعارهم بأن خلافهم هذا قد هز قضية الشعب الفلسطيني، ولابد من الوحدة، (كونوا جميعا يا بني
إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا) فاجعلوا الراية تتحرك أكثر وأكثر، وأشركوا الجميع من أبناء هذا الوطن ليشعروا بأنها قضيتنا جميعا في ساحات الحرب والسلم، بل وفي مدارسنا ومنازلنا، لأننا جميعا نعمل من أجل هدف واحد بعد أن وفق الله لإقامة الراية من جديد وإزالة التوترات السياسية والتحرك نحو مشاريع اقتصادية صحيحة.
يا خادم الحرمين لك منا الدعاء الصادق وسيذكر التاريخ هذا الموقف الخالد ولكن لابد من عمل متكامل يحقق أهداف هذا المؤتمر والله سبحانه وتعالى يحب إذا عمل أحد عملا أن يتمه والراية في يدك وتوفيق الله سبحانه إن شاء الله معك وقد شعر الجميع والحمد لله بصدقك وإخلاصك فسر على بركة الله.
{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}.