Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/01/2009 G Issue 13272
الخميس 03 صفر 1430   العدد  13272
غزة: رؤية واقعية مستقبلية
د. فالح بن محمد الصغير

 

المنطلقات الشرعية (1)

يتحدث كثير من الناس على مختلف مستوياتهم العلمية، وتوجهاتهم الفكرية، ومناهجهم السلوكية، أو حتى آرائهم العقدية، ومذاهبهم ومللهم من غزة وأهلها، وما أصابهم من تسلط اليهود وأعوانهم: التسلط العسكري، وما أصابهم من الخذلان من بني جلدتهم، وكذا الحديث عن مقاومتهم، وصبرهم، وتحملهم، ومعاناتهم، ونكاياتهم باليهود، وتنشأ أسئلة كثيرة عن هذا الاعتداء الهمجي العشوائي، وكثير منها محيّر لكثير من ذوي الألباب، وتزداد الحيرة عندما تأتي الأسئلة التي تمس الواقع العملي:

ما دوافع هذا الغزو؟ وما الذي يهدف إليه؟ وهل حقق شيئاً من أهدافه؟ وما أبعاده؟ وما الذي ينبني عليه بعده؟ وهل هو غزو ديني؟ أو هو حرب على طائفة أو فرقة؟ ومن هو المنتصر، وكل يدعي النصر؟ وما موقفنا وقد وضعت الحرب أوزارها؟ وبدأت المناورات الكلامية وإملاءات الشروط؟ وهل فعلا يهود اليوم بفعلهم هذا هم يهود الأمس الذين قتلوا كثيراً من الأنبياء؟ وحاولوا قتل نبي الله عيسى - عليه الصلاة والسلام - فرفعه الله تعالى إليه؟ وحاولوا مراراً قتل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بشكل مباشر، وغير مباشر؟ ونقضوا العهود معه مراراً؟ وتحالفوا مع المشركين؟ وشجعوا المنافقين؟ وهل هم الذين خططوا لقتل الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه -؟ وقتلوه بتدبيرهم؟ وقتلوا الخليفة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بتدبيرهم كذلك؟ وهل هم الذين يعتقدون أنهم خيرة الشعوب، وأن غيرهم لا يجوز إلا أن يكون خدماً لهم؟ وهل هم الذين تحالفوا مع بريطانيا وغيرها، حتى تمكنوا من سكنى فلسطين، واغتصبوا أرضها، وقتلوا كثيراً من أهلها؟ ودمروا كثيراً من مكتباتها؟ وهل هم بالتالي في حربهم هذه يحاربون حزباً، أو طائفة، أو نوعية من الناس؟ فدمروا مساجد، ومستشفيات، وجامعات، ومدارس، ومصادر الطاقة، وكثيراً من الطرقات، والبيوت، ومنعوا الغذاء والدواء، وقتلوا الأطفال، والنساء، والشيوخ.

وإن كانوا يهود الأمس فما بال أفراد من المسلمين يشجعونهم ضمناً، وذلك بالقدح والتثريب على إخوانهم المستضعفين في فلسطين؟ هل وصل بهم الحال إلى أنهم لا يفقهون حقيقة اليهود، وأنهم اليوم على غزة وغداً بمكان آخر، فمخططاتهم المكشوفة لم تصل إلى هؤلاء؟ وهل لا يستحق الفلسطينيون - عند هؤلاء - شيئاً من التعاطف بما يسمى التعاطف الإنساني؟ ألا يظنون - وهم مسلمون بلا شك - أن ديننا يعطف على الحيوان بل يدخل الله تعالى بسبب الإحسان إليه الجنة ويحرم من النار؟ ويستحق صاحب الإيذاء النار؟ كما في حديث المرأة التي سقت الكلب فدخلت الجنة؟ وحديث المرأة التي حبست الهرة فدخلت النار؟ وهل يجهل هؤلاء هذه المعاني في ديننا العظيم؟

ومن آخر الأسئلة الآن؟ من المنتصر؟ وهل للنصر صورة واحدة، أم صور متعددة؟ وما العمل بعد هذه الحرب؟

هذه نماذج من الأسئلة، وغيرها كثير، التي أفرزها هذا العدوان الوحشي على غزة، ورآها العالم كله على الهواء مباشرة في ليله ونهاره، والأطفال قبل الكبار، والشعوب قبل الساسة، ولن يتوقف سيل الأسئلة، ولو بعد وقوف الحرب، فلها إفرازاتها، وتداعياتها التي لن تكون نهايتها وقف إطلاق النار، أعان الله أهل فلسطين خاصة، والمسلمين بعامة.

إن الإجابة على هذه الأسئلة، وغيرها، يتطلب النظر والتأمل من عدة زوايا من أهمها تحديد المنطلقات التي من خلالها تتم الإجابة، ومن أهمها:

1- المنطلق الشرعي الذي بيّنه ربنا - جل وعلا - في كتابه الكريم، فليس النظر مبنياً على مجرد رأي فردي من زاوية ضيقة، أو مصلحية نفعية يعتقدها، وليس مبنياً كذلك على صوت قوي أثر على رؤيته وأحكامه.

وعند التأمل في كتاب الله، نجد قضايا مسلمة يقينية، من الخطأ الفادح إغفالها، أو تناسيها عند اتخاذ موقف، أو إجابة على سؤال، وذلك مثل:

أ- تأصيل عداوة اليهود للمسلمين كما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ب- أنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا.

ج- أنهم لا يعجبهم شيء إلا اتباعهم، وبقاء الآخرين تبع لهم.

د- أنهم يتمنون أن يردوا الناس عموماً عن دينهم.

هـ- أنهم أهل مكر، وخداع، ولا أمان لهم.

وغير ذلك من المسلّمات المذكورة في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، وقال سبحانه: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ}

ومن المنطلقات الشرعية:

أ- أن لله - سبحانه وتعالى - حكماً في بقاء الصراع بين الحق والباطل، بمعنى أنه مهما حاول المسلمون استرضاء يهود، فلن يبقى الأمر على هذه الحال، وتاريخ اليهود والعرب حافل بتصديق هذا المنطلق الكبير.

نعم: لا يعني عدم المهادنة، أو المعاهدة على قضية بعينها، لكن هذه المعاهدات يجب أن لا تنسي هذه السنة الربانية.

وبمعنى آخر: يجب على أهل الحق أن يوقنوا بحقهم، ويعملوا لنصرته بكافة الوسائل الممكنة، بل وينشروا هذا الحق ويهدوه للبشرية جمعاء، والمتمثل في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.

وهذا يوضح بجلاء عظم الخلط، وشدة المفارقة بين اعتقاد مسالمة اليهود، والغفلة عن العمل للحق.

ب- إننا ملزمون بالعمل وفق كتاب الله - سبحانه وتعالى -، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتعمق في النظر في سيرته.

المشرف العام على شبكة السنة النبوية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد