Al Jazirah NewsPaper Monday  09/02/2009 G Issue 13283
الأثنين 14 صفر 1430   العدد  13283
المعلم الذي نريد (2/2)
ظفرمحمد الدوسري

 

ما زال الحديث يتواصل عن عدة وعتاد المعلم العصري والمواصفات التي يجب أن يتحلى بها في معترك العولمة والاتجاهات الحديثة في كل الشؤون الحياتية، وسأتابع الحديث عن مواصفات أخرى يفرض الواقع أن يتحلى بها المعلم وإلا فإن المآلات ستكون مؤلمة وقاسية على الوطن والمواطن، ومن مشاريع الرؤية التجديدية في الفكر التعليمي أن يكون المعلم صاحب الرسالة والأمانة مواطناً عالمياً ينظر إلى الكون والحياة والإنسان نظرة شمولية فقد انتهت نظرة أحادية الفكر، فالمعلم مطلوب منه أن يوسع ثقافته ومداركه متعدياً المحلية إلى العالمية ولكن دون أن ينفصل عن جذوره الثقافية الإسلامية فهي حصنه العظيم والمعلم الذي يستطيع الإنصاف بهذه الصفة يعتبر مصدراً لثقافتنا الأصيلة، فلا خوف من الأجنبي مادامت الحصانة موجودة. وهذا المعلم الإنسان الذي تحتاجه الأمة بشكل عام والوطن بشكل أخص في زمن اتصف بالظلامية فلا صدام بين حضارات وإنما وئام وتبادل للمصالح، وثقافتنا الإسلامية تستطيع احتواء الكل تحت مظلة واحدة ولن يصح إلا الصحيح مهما مرت الأيام وتقادمت السنون، والتاريخ مليء بالعبر لمن أراد أن يعتبر، نريد أن ننأى بمملكتنا عن الكهوف الظلامية التي عيشت بعض المسلمين صنوفاً من النصب؛ وما ذلك إلا لأنهم تنكبوا الصراط في نظرتهم وقراءتهم للواقع، فتوجسوا من كل أجنبي وعدوه عدواً وإن لم يعادهم، فنشروا فكراً منحرفا وظل كثير من الشباب بسبب هذه الرؤى وأخذوا ينهشون في جسد أهلهم ووطنهم وما كان هذا إلا لأن المعلم لم يؤصل بالنظرة العصرية والفهم السليم لمعطيات الدين التي تحتوي الكل تحت مظلة الأمن، هذه النظرة غير السوية التي أوردت أهلنا إلى المهالك يجب أن ننأى بأنفسنا عنها في هذه المملكة الآمنة الغالية، والطريق إلى ذلك هو المعلم المواطن المحلي الثقافة العالمي الرؤية، والوزارة المعنية مسؤولة عن كل ذلك فلا إفراط ولا تفريط وإنما وسط بين الاثنين، ومن خالف من المعلمين وجب حواره وإنذاره وإلا فإن قعوده أفضل من قيامه داخل أروقة مدارسنا.

إن رياح العولمة بل أعاصيرها تتلقفنا من كل جانب، فمبدأ العزلة الذي مارسناه في فترة من الفترات لم يعد مجدياً وذلك بسبب الزخم الإعلامي الكبير الذي لا يمكن أن نوصد بابه أبداً لأنه اخترق كل الحواجز المادية ولكيلا يخترق الفكر والأخلاق وجب أن يكون المعلم ذا وعي بكل ما يدور حوله؛ حتى يستطيع الحفاظ على ناشئتنا من المخاطر وضياع الهوية؛ لأننا أمة ذات منهج لها خصوصية عقدية ومنهج واضح في الفكر والسلوك، فالمعلم العصري يعي كل هذا ويتمثله فتراه لا يفتأ في توعية طلابه بخصوصيتنا وهدف وجودنا في هذه الحياة التي تتمثل في العبادة الحقة والدعوة لكل خير، والفوز برضا ربنا في النهاية.

المعلم العصري هو من يؤسس له منهجاً ومشروعاً يصب فيه كل جهوده حيث يخطط باستراتيجية لمستقبل الطلاب الذين يرتادونه كل يوم، بتشخيص واقعهم وما يجب أن يكونوا عليه بعد مرورهم بالخبرات التي يقدمها لهم في المنهاج الدراسي، إن الملاحظ في كثير من شؤون حياتنا أننا نمشي بعشوائية مقيتة على المستوى الشخصي وعلى المستوى المؤسساتي، فمن منا يملك مخططا أو مشروعاً ينتهجه في كل مناحي حياته؟ بحيث يرسم مستقبله القريب والبعيد لنفسه وللعمل الذي يؤديه داخل وطنه، فالتعليم صار وظيفة ولم يعد مهنة رسالية، والمعلم في هذا غير ملوم لأنه أصبح داخل منظومة لا تقيم للعمل أي اهتمام سوى العائد الشخصي، والملوم في هذه الخدمة المدنية التي جعلت المعلم كغيره من الموظفين في التدرج والعلاوة والحافز والسلم الوظيفي، والملوم الثاني وزارة التربية التي هي مسؤولة عن تقديم الواقع وما يجب أن يحظى به المعلم من تميز لأنه متفردٌ في الأمة بتشكيل الفكر والسلوك وهو الراسم لمسيرة الوطن وما سيكون عليه، فإذا أردت أن تعرف مستقبل أي بلد تزوره فانظر في واقع معلميه في التعليم العام، وستعرف هل هذا الوطن يمشي في الطريق السليم أم عكسه؛ فمتى أكرمت الدولة معلميها وجعلتهم مميزين في كل تنظيم تعمله فإن هذا ولا شك يصب في مصلحة الأمة أولاً ومصلحة الوطن ثانياً. ولا يخفى على ذي لب ما عملته اليابان وألمانيا بعدما خرجتا من حربين مدمرتين لم تبق ولم تذر سوى النفوس المتطلعة للنجاح ومواجهة التحدي وكان السلاح الفتاك الذي استخدمتاه هو الاهتمام بأوضاع التعليم ومن هم على رأس العملية التعليمية (المعلمين) فأصبحتا الآن قوتين اقتصاديتين كبيرتين في العالم صانعتين للقرار العالمي.

ونحن في هذه الدولة المباركة قادرون بفضل ما وهبنا الله من نعمة المنهج العقدي، ومن نعمة المال، ومن نعمة الصفاء الذهني لأبنائنا بأن نخرج جيلا متسلحاً بالعلم الحديث، ولكن بُعد صاحب القرار من صاحب الفكر، وعدم الرغبة في التغيير بسبب هزائم نفسية داخل النفوس جعلنا في آخر القطيع، أقولها والحسرة تخالجني لكنها الحقيقة التي يلزم الاعتراف بها لتصحيح الواقع المعاش. وإن كنا نرى جهوداً مشكورة مبعثرة هنا وهناك يلزم لملمتها حتى تتضافر الجهود المخلصة التي تبتغي العز للوطن والمواطن.

والمعلم العصري هو من تشخصت أمام ناظريه المواصفات التي نريد طلابنا وأجيالنا عليها الآن وفي المستقبل المنظور، وقد كون هذه المواصفات بنقده الحصيف والرصين للواقع وما يجب أن يكون عليه، بلور هذا النقد بقراءاته ونظراته وتمحيصه للأمور.

وتنبع قامة وهامة المعلم العصري بأنه القادر على تشكيل ملامح أجيالنا، وجعلنا في مصاف الدول المتقدمة علمياً وتقنياً.

وما دام هو كذلك فلِمَ نبخلُ عليه بأشياء نمتلكه؟!!



dmfd68@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد