Al Jazirah NewsPaper Friday  13/02/2009 G Issue 13287
الجمعة 18 صفر 1430   العدد  13287
أهيب بقومي
نظام القضاء.. والتطوير المنتظر
فائز بن موسى البدراني الحربي

 

تفخر بلادنا بفضل الله بأن دستورها القضائي هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنها الدولة الوحيدة في هذه المعمورة التي تطبق كتاب الله في كل شؤونها. فالناس يتحاكمون في خلافاتهم إلى كتاب الله، والفصل في منازعاتهم مرجعه شرع الله عز وجل على يدي قضاة يحفظون القرآن والأحاديث والآراء الفقهية المتعلقة بالأحكام وإقامة الحدود وأخذ الحقوق ورد المظالم.

وقد اعتنت حكومتنا - وفقها الله - بالقضاء عناية كبيرة منذ تأسيسها على يد موحدها المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الذي كان يبذل عناية فائقة باختيار القضاة والتأكد من عدالتهم، وتعيينهم في المدن والقرى والتجمعات الحضرية والبدوية في كل أنحاء البلاد، وكان - رحمه الله - يحترم القضاة ويجلهم، وينفق عليهم بسخاء، وفي الوقت نفسه كان يتابع أخبارهم ويراجع أداءهم، ويستمع إلى شكاوى الأهالي ضد قضاتهم، ويسارع في نقلهم واستبدالهم إذا لاحظ ما يستدعي ذلك.

وكان اهتمامه بهذه الناحية - رحمه الله - ينبع من إدراكه العميق لأهمية القضاء ودوره في استتاب الأمن، واطمئنان الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، لأن القضاء هو ميزان العدل، فإن صلح أخذ كل ذي حق حقه، وإن اختل ضاعت الحقوق، وانتشرت المظالم، وتسلط القوي على الضعيف.

غير أن توسع رقعة البلاد، وتضاعف أعداد السكان، وتعقد الأمور بعد دخولنا عصر الطفرة الاقتصادية قد أدى إلى تغير الأحوال، فتضاعف أعداد القضايا المنظورة، واختلفت أنواعها، وأصبحت أكثر تعقيداً، وأعظم مسؤولية.

فقد تضاعفت أسعار الأشياء وقيمها، وما كان يقوّم بالآلاف أصبح يقوّم بالملايين، وما كان بالملايين أصبح يقدر بالمليارات.

ولم تأل القيادة جهداً في مواكبة تلك التغيرات، فصدر نظام القضاء في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - كما اهتم الملك فهد - رحمه الله - بتطوير القضاء، فصدر في عهده عدد من القرارات لتحسين القضاء مثل نظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المحاماة، ونظام التسجيل العيني للعقار.

كما تم في عهده - رحمه الله - اتخاذ عدد من الإجراءات الهادفة إلى رفع سقف المزايا الوظيفية للقضاة لرفع أدائهم وتحسين أوضاعهم من أجل مضاعفة جهدهم في خدمة أصحاب القضايا وإنجاز معاملاتهم على الوجه المطلوب.

وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - صدر نظام القضاء ونظام ديوان المظالم، وتم تخصيص سبعة مليارات ريال لتنفيذ هذين النظامين، وتم تكليف الوزارة بوضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذ الأنظمة التطويرية الجديدة.

ولأن المسؤولين عن الجهاز القضائي وعلى رأسهم معالي وزير العدل يدركون ما يتعرض له نظامنا القضائي من انتقادات، ويسعون بكل حرص على معالجة أوجه القصور؛ فإنهم يبذلون جهوداً طيبة لتطوير نظام القضاء وآلياته.

وقد كان من آخر هذه الجهود ما قام به معالي الوزير مؤخراً من تدشين الخطة الإستراتيجية لتطوير مرفق القضاء التي وعد معاليه بأنها ستكون نقلة تاريخية ومرحلة جديدة من مراحل تطوير هذا المرفق الحيوي.

غير أن المتابعين لشأن القضاء في بلادنا لا زالوا يبدون تخوفهم من أن هذه المشاريع وهذه المليارات لن تحقق الأهداف التي تطمح إليها قيادتنا؛ ما لم يتم تطوير العنصر البشري، وتغيير ثقافته الإدارية ومفاهيمه الوظيفية.

فالملاحظ أن السواد الأعظم من القضاة عندنا - إلاّ من شاء الله - يمارسون البطء في إنهاء المعاملات، وتأخير البت في القضايا، وعدم الحزم مع المتلاعبين من أطراف القضية، وبعبارة أخرى فإن القضاء في بلادنا لا يزال موضعاً لاتهامه بالتخلف والتعقيد والقصور في جوانب كثيرة.

وبعبارة أخرى فإن المليارات والمرافق الحديثة لن تحل المشكلة ما لم يواكبها تطور في سلوكيات العاملين في جهاز القضاء ابتداءً من موظف الاستقبال ومروراً بكاتب العدل والقاضي وانتهاء برئيس المحكمة تجعلهم يتحررون من الهالة البرجوازية، أو الرهبانية والربانية التي يحيط بها بعض القضاة أنفسهم، فتجعلهم ينظرون إلى من لم يكن من طبقتهم وشاكلتهم بشيء من التعالي والفوقية، ويصنفون البشر تصنيفاً دينياً أو مذهبياً أو فكرياً، أو اجتماعياً؛ حتى أصبحت الابتسامة لا تعرف طريقاً إلى وجه الكثير منهم ما لم يكن المراجع صديقاً أو مسؤولاً أو صحافياً!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد