Al Jazirah NewsPaper Friday  20/02/2009 G Issue 13294
الجمعة 25 صفر 1430   العدد  13294
توجيهات للشباب: حق الله
د. محمد بن سعد الشويعر

 

إن لله على عباده حقاً مكيناً، وهو ألزم الحقوق طاعته وأداء عبادته على الوجه الذي شرع، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وهذا سرّ وجود البشر على وجه الأرض يجب تأصيل هذه المهمة لدى الشباب حتى تكون قاعدة راسخة، منذ النشأة محافظة وعقيدة وأداء، يقول سبحانه:

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} سورة الذاريات (56 - 58)، فيجب أن ينمى عند الشاب محبة الله المتمثلة في المحافظة على شعائره، وأهمها الصلاة في أوقاتها، وكذا بقية الشرائع.

ذلك أن من حق الله على عباده: طاعته، وأداء عبادته على الوجه الذي شرع، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه مبلغ رسالة ربه، وتنفيذ ما يأمر به، واجتناب ما عنه نهى وزجر.

ويجب أن يدرك الشباب، ان دين الله سبحانه واحد، وأن الله يرسل به من يشاء من رسله، لإنذار الناس، من عقابه الدنيوي، الذي يرسله لتتعض القلوب، وترعوي عن المعاصي، وعقابه الأخروي، الذي لا فرصة وراءه لأن المهلة انتهت، والفرصة بالموت أضاعت الأمل في التراجع {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}(185) سورة آل عمران، وكل حق لله عند العبد، ففائدته عائدة عليه هو.

ومن رحمة الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، أن خفف عنهم الصلاة، من خمسين إلى خمس، حسبما جاء في قصة الإسراء والمعراج، وأن موسى عليه السلام، كان يطلب من محمد صلى الله عليه وسلم، أن يسأل ربه التخفيف، لأنه جرب بني إسرائيل من قبل. وأمتك لا تطيق، وما زالت المراجعة، حتى خففت إلى خمس في اليوم والليلة، وجعل سبحانه أجرها أجر الخمسين.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسأل ربه التخفيف على أمته في مواقف كثيرة، ولذا سميت أمة محمد عليه الصلاة والسلام الأمة المرحومة، لما منحها الله من مزايا وكرامات، يجب على الشباب، التمكن في المعرفة، والحرص على حسن الأداء سواء بالنسبة لنفسه، أو تعامله مع أفراد مجتمعه، أو استجابته مع ولاة الأمور، أو مع الله وهو الأهم، في مراقبته جلّ علا في السر والعلن، ومحاسبة النفس بالتقوى والخوف، التقوى عند العمل بأن يكون مراد به وجه الله، على مراد الله، وبحسب أمر رسوله، والخوف من الزلل والوقوع في المحذور وما وراءه من عقاب.

يقول صلى الله عليه وسلم: سألت ربي ثلاثاً، فأعطيت اثنتين، ومنعت الثالثة: سألت ربي الا يهلك أمتي بسنة عامة كما أهلكت الأمم السابقة، فأعطيت إياها). وهذه نعمة كبيرة يجب أن يدركها كل فرد، حتى يؤدي شكرها، لأن الأمم السابقة أهلكت، ولم يبق لها أثره إلا ما جاء ذكره في القرآن الكريم فأبادهم الله بمعاصيهم.

أما الثانية فقوله: (ألا يسلط عليهم عدواً من غير أنفسهم)، ولذا أخبر صلى الله عليه وسلم: (أنه نصر بالرعب مسيرة شهر، فالاعداء لا يتجرؤون على المسلمين، ابتداء، وإنما يأتون إليهم، بخيانة ممن ينتسب إلى الإسلام، بعد أن تجرأ المسلمون على محارم الله، وخفّ لديهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فركنوا إلى أعداء دين الله، ليتخذوهم سلماً لمآربه يقول سبحانه: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}(113)سورة هود.

والسجل التاريخي على مرّ العصور أن المسلمين، ما هزموا، ولا تسلط عليهم الأعداء إلا بالتهاون في حقه سبحانه، ولا ضربتهم الذلة إلا بعد ما ركن أفراد، ممن خفّ الوازع الإيماني، من قلوبهم، وهانت عليهم شرائع الله التي لا تنتقض جميعاً، وإنما تنتقض شيئاً فشيئاً، بالركون إلى الذين ظلموا، وطاعتهم في معصية الله.

أما الثالثة التي منع إياها فهي (ألا يجعل بأسهم بينهم شديد)، ولما كان الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب فإنه يدخل عليهم بالتحريش وبالكذب، والغيبة والنميمة.

وإذا كانت المحبة بين الناس، تعني صدق المودة، والإخلاص في التعامل. لانجذاب القلب للمحبوب، فإن محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، هي محك الإيمان لمن يحب الله، بل يجب أن تدرك أيها الشباب، أن ذلك هو الزم حق لله، وهو الأساس الذي يقوم عليه الإيمان، فلا إيمان لمن لم يحب الله، حباً أكثر من حبّ النفس، والولد والوالدين، وكل ما يملك الإنسان، أو تتطلع إليه نفسه: أن يكون الله ورسوله، أحب إليه من كل شيء).

ومحبة الله تقتضي الإخلاص في العمل، وحسن الإتباع، والامتثال لأمر الله، وأمر رسوله بدون كسل أو تراخ، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}(7)سورة الحشر، وأكد هذه المحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرنها بصحة الإيمان، بصدق الإيمان وصحته، حيث جاء في الحديث الصحيح: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله، ورسوله أحب إليه مما سواهما).

وهذه المحبة، هي من حق الله الواجب أداؤه، بيقين وصدق، ولا تكون باللسان لفظاً بدون التيقن، ولا بالإدعاء ولا بالتمني أو التحلي، فقد أخبر الله، عن قوم قالوا لرسول الله، إننا نحب الله، فأمر ربه أن يرد عليهم، بما يُثبت الإيمان ويؤصل المحبة، يقول سبحانه: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }(31)سورة آل عمران.

وهذه الآية الكريمة تعطي كل مسلم، حريص على أداء حق الله، مدخلا للآداب في محبة الله: وهو ألا يتم إلا مع حسن الاستجابة، وإطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما جاء به من عند ربه: أمراً ونهياً، يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره عندما مرّ بهذه الآية: هذه الآية حاكمة على كل من يدّعي محبة الله، وليس على طريقة من الطرق، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتّبع الشرع المحمدي، والدين النبوي، الذي هو خاتم الرسالات، في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في الصحيح، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). ولهذا قال تعالى:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}، أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء: ليس الشأن أن تُحب ولكن الشأن أن تُحّب.

وقال الحسن البصري، وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم بهذه الآية، فقال:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}، ثم أورد حديثاً بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهل الدين إلا الحب في الله، والبغض في الله) (تفسير ابن كثير 2: 29).

ومن خالف أمر الله ولم يطع الرسول في أداء شريعة الإسلام، وفرائض الله، من صلاة وصوم، وزكاة وحج، وبر بالوالدين، وغير ذلك من أوامر يجب أن تطاع، ونواهٍ يجب أن تجتنب، فإنه ليس بحريص على أداء حق الله، كما أمر الله ورسوله، ومن تجنب الطريق المستقيم، وتنكّبه إلى الانحراف والمخالفة، لأمر الله وأمر رسوله، أو أطاع هواه وقرناء السوء بمعصية الله في ذلك، وترك الطاعات، وأسلم النفس والهوى للمنكرات، والمعاصي فهو بعيد عن أداء حق الله.

وأنت أيها الشاب، تدرك بما أعطاك الله من فطنة، وبما أنعم عليك من عقل: أن من أحسن إليك، أو صنع فيك معروفاً، يجب رد جميله، بما تستطيع، ومكافأته بقدر الطاقة، مع التلطف إليه وشكره على عمله.. وما من مخلوق ينكر أن الله سبحانه، هو الموجد له من العدم، وأنه سبحانه هو الخالق الرّازق، المعطي المسهّل للأمور كلها، مانح الصحة، دافع الضرر، لا راد لما أعطى، ولا معطي لمن منع، وهو الذي قدّر الموت والحياة على سائر المخلوقات، وغير هذا من الصفات التي لا يقدر عليها أحد غيره، فكيف يرضى الإنسان لنفسه، بأن يقابل ذلك بالجحود والنكران، وأن يعامل خالقه سبحانه، بغير ما أمر الله به، فبدل حمده وشكره، يرتكب المناهي، ويترك الطاعات، ويضيّع المهمة، التي أوجده الله في الدنيا من أجلها، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}(56-58)سورة الذاريات.

فاحرص أيها الشاب، على أن تعرف حق الله، لتؤديه على الوجه الذي أمر الله به، على الوجه المطلوب، حتى يحبك الله، ويسهل أمرك، ويقضي حوائجك، فالله يعطي الكثير، ولا يطلب من عباده إلا القليل، وحث من حولك على ذلك، مرن أهل وأصدقاء وزملاء وأقارب، لتكون نافعاً لنفسك ولغيرك، والله سبحانه يقول في الحديث القدسي الذي منه: (ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذي لأعيذنّه) إنها فضائل كثيرة فهل نعيها.

خاتمة المجنون:

جاء في الأغاني للأصفهاني: أن شيخا من بني مرة، خرج ليلقى المجنون، في أرض بني عامر، ثم حدّث فقال: دُللت على محلته فآتيتها، فإذا أبوه شيخ كبير، وأخوه له رجال، وإذا نعم كثير وخير ظاهر، فسألتهم عنه، فاستعبروا جميعاً.

وقال أبوه: والله لقد كان آثر في نفسي، من هؤلاء وأحبهم إلي. وإنه هوى امرأة من قومه، والله ما كانت تطمع في مثله، فلما أن فشا أمره وأمرها، كره أبوها أن يزوّجها منه، بعد ظهور الخبر، فزوجها من غيره، فذهب عقل ابني ولحقه خبلٌ، وهام في الفيافي وجدا عليها، فحسبناه وقيدناه، فجعل يعض لسانه وشفتيه، حتى خفنا عليه أن يقطعها، فخلّينا سبيله، فهو يهيم في هذه الفيافي، مع الوحوش، يُذهب إليه كل يوم بطعامه، فيوضع له حيث يراه، فإذا تنحّوا عنه جاء فأكل منه.

فسألتهم أن يدلوني عليه، فدلوني على فتى من الحي، كان صديقاً له، وقالوا: إنه لا يأنس إلا به، ولا يأخذ عنه أشعاره غيره، فأتيته فسألته أن يدلني عليه، فقال: إن كنت تريد شعره، فكل شعر قاله إلي أمس عندي، وأنا ذاهب إليه غداً، فإن كان قال شيئاً أتيتك به، فقلت: بل أريد أن تدلني عليه لآتيه، فقال لي: إن نفر منك نفر مني، فيذهب شعره، فأبيت إلا أن يدلني عليه، قال: أطلبه في هذه الصحاري، فإذا رأيته فادن منه مستأنساً، ولا تُرِه أنك تهابه، فإنه يتهددك، ويتوعدك أن يرميك بشيء، فلا يروعنّك، وأجلس صارفاً بصرك عنه، وألحظه أحياناً، فإذا رأيته قد سكن من نفاره، فانشده شعراً غزلاً، وإن كنت تروي من شعر قيس بن ذريح شيئا فأنشده إياه، فإنه معجب به.. قال:

فخرجت فطلبته يومي إلى العصر، فوجدته جالساً على رمل، قد خطّ فيه باصبعه خطوطاً، فدنوت منه غير منقبض، فنفر مني نفور الوحش من الإنس، وإلى جانبه أحجار، فتناول حجراً، فأعرضت عنه، فمكث ساعة، كأنه نافر يريد القيام، فلما طال جلوسي سكت، وأقبل يخط بإصبعه، فأقبلت عليه، وقلت: أحسن والله قيس بن ذريح حيث يقول فأنشدته ثلاثة أبيات، فأقبل عليّ وهو يبكي، ثم قال: وأنا أحسن منه قولاً وأنشد بيتين، واستمر منه نهاره ذلك. قال: وفجأة منحت ظبية، فوثب يعدو خلفها، حتى غاب عني، وعدت من غدِ فلم أجده، وإذا طعامه بحاله. وفي اليوم الثالث، غدوت، وجاء أهله معي، فطلبناه يومنا فلم نجده، وفي اليوم الرابع وجدناه في وادٍ كثير الحجارة، وهو ميت، ووجدنا خرقة مكتوب عليها أربعة أبيات.

فاحتمله أهله فغسلّوه وكفّنوه، ودفنوه، فلم تبق فتاة من بني جعده، ولا بني الحريش، إلا خرجت حاسرة صارخة عليه تندبه، واجتمع فتيان الحي، يبكون عليه أمرّ البكاء، وينشجون عليه أشد نشيج، وحضرهم حي ليلى معزّين وأبوها معهم، فكان أشد القوم جزعاً، وبكاء عليه، وجعل يقول: ما علمنا أن الأمر يبلغ كل هذا، ولكني كنت أمراً عربياً، أخاف من العار، وقبح الأحدوثة، ما يخافه مثلي، فزوّجتها وخرجت من يدي، ولو علمت أن أمره يجرى على هذا، ما أخرجتها عن يده، ولا احتملت ما كان عليّ في ذلك.

فما رؤي يوم أكثر باكية وباكياً على ميت، من ذلك اليوم.

(الأغاني: 2: 88).




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد