لم أتمالك نفسي وأنا أقرأ مقالة في هذه الصحيفة الغراء أصابني بالذهول وفقدت السيطرة على أعصابي حتى رميت بالصحيفة جانباً وتناولت حاسوبي الذي طالما ضغطت بأناملي على حروفه محررة كلمات وجملاً لأبحث عمَّا يخص دراستي... ولم يأت بخاطري يوماً أن أرد على كاتب بهذه الصحيفة، والذي هدانا الله وإياه دعا بقلمه السيال من منبره الورقي إلى اختلاط النساء بالرجال في أماكن العمل...!! وبئست هذه الدعوة التي تدعو إلى مزاحمة المرأة للرجال.. إن هذا مما تأنف له النفس البشرية وتعافه، ولقد حذر منه الله سبحانه وتعالى في قوله:{(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (33) سورة الأحزاب.
يقول ابن كثير في هذه الآية: أي الزمن بيوتكُنَّ فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية كالصلاة في المسجد بشرط وهو أن يخرجن تفلات. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون برَوحة ربها وهي في قعر بيتها)، رواه الترمذي. لست أعلم إن كان هذا الكاتب قد درس مناهجنا وقرأ ما كُتب فيها وحفظ كلام سيد البشرية.. ألا يعلم هذا الكاتب وأمثاله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا جعل من أكبر اهتماماته المرأة، خاطبها، ووعظها، وبالله ذكرها، كان يصلي العيد ثم ينتقل إلى النساء فيعظهن ويذكرهن، بل خصص لهن وقتاً يربيهن ويعلمهن، لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أنه بصلاح المرأة تصلح البيوت، وبفسادها تفسد المجتمعات، فهو جعل يوماً للنساء بمفردهن لتعليمهن العلم والفقه في الدين، كما في حديث أبي سعيد (قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً ولقيهن فيه فوعظهن وأمرهن.. ألخ) صحيح مسلم. وهذا دل على أن تعلم المرأة لم يكن مختلطاً حتى في عهد سيد البشرية.
ولينظر كاتبنا المبجل إلى حديث أبي موسى الأشعري (أيما امرأة استعطرت فمرت من رجال ليجدوا ريحها فهي زانية) صححه الألباني.
فهل يعي هذا الكاتب بدعوته تلك أنه يخرج للمجتمع فتيات يسرن في الطرقات وأماكن العمل مع الرجال ليزول الحياء ويحدث ما لا تحمد عقباه!!!! فأنا استبعد ذلك تماماً.
وآخر يظهر هذا الدعوة تحت ستار أنها بحاجة وإنها نصف المجتمع وإنها تعاني من البطالة وبحجة أن تخرج وتتنفس ولا تجلس بين الحيطان الأربع قائلاً هذا حكم الزانية... وكأني به لا يعلم إلا تفسير هذه الآية محتجاً بها قال تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} (15) سورة النساء.
كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت.. تفسير ابن كثير، مستغرباً ومتبجحاً أن المرأة الزانية هي التي تحبس، وأقول ألا يعلم أنه نسخ الحكم وبقيت الآية.. وكيف له ذلك السبيل!!!.
وهذا هو ديدن أهل الأهواء أهل الكتاب يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ويتعلقون بالمتشابهات.
وأقول له: أين هو من عائشة رضي الله عنها حينما قالت: (لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن كما منعت نساء بنو إسرائيل) رواه مسلم. وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) صحيح البخاري. فرحمك الله وهداك فهل ترضى لمحرمك أن تختلط برئيسها في العمل، فإن كنت كذلك فنسأل الله السلامة هذا قلب للفِطر وشذوذ في العقل واختلال في الموازين، ومن كان هذا عقله فليس له حساب ولا عقاب، فحسبي به كالمجنون حتى يفيق أو الصغير حتى يكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. فدع الخلق للخالق وكفانا ما شرع الله لنا ونظمه وسنه سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وهيئ لزوجك مكاناً في بيتها يليق بكرامتها أو عملاً شريفاً محصنة فيه من الرجال.
أما سمعت بتلك المرأة التي لم تخرج في حياتها إلا ثلاث مرات من بيتها يوم تزوجت، ويوم حجت، ويوم ماتت، هذه فاطمة بنت نصر البغدادية إن كنت جاهلها.. (البداية والنهاية).
أما نسيت أنه ما دنست كرامة المرأة إلا بعد أن وجدت هذه الأفكار، وما من بلية ولا رزية إلا وكان للخلوة والاختلاط فيها نصيب الأسد فاستذلها الوضيع ومقتها الشريف وتكلم عنها العالم، وانظر إلى حال النساء في الغرب والشرق. أتأمن على نفسك ونفسها الفتنة؟ أم أنت من مجتمع ملائكي؟
الله هو الهادي فتفكر في نفسك وأشغلها بعيوبها ودعك من هذا الهراء، وسخر قلمك لما يفيدك أنت ومجتمعك، واحذر من قول النبي صلى الله عليه وسلم عن (أنه من سن في الإسلام سنة حسنة كان له مثل أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان له مثل أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)، صحيح مسلم.
أسأل الله لنا وللكاتب التوبة والهداية وأن يبعد عنا شياطين الأنس والجن، إنه الهادي إلى خير سبيل والحمد لله رب العالمين.
البندري بنت رشود آل شريم