أنا لا أفشي سرا ولا آتي بجديد حين أقول: إننا مجتمع لا يقرأ وليس له علاقة طيبة مع الكتاب، ولا أحتاج إلى إحصائية ودراسة حتى أثبت صحة ودقة كلامي.. فحين ننظر إلى الواقع العربي المتدهور والمتأخر عن الركب على مستوى الفرد والمجتمع ندرك ونفهم ببديهية مطلقة أننا أمة لا تقرأ!.
فنجد الفرد في الأمة العربية قل علمه وضعفت ثقافته، أما على مستوى المجتمع فنجد أننا أصبحنا عالة على العالم ويوصف العربي على أنه رجعي وخطر أينما وجد!.
و لنا في هذه الصورة التي رسمها العالم من حولنا يد مذنبة.
حين نرجع إلى تاريخنا القديم ونقلب صفحاته بزهو وفخر وألم! نجد أن أسلافنا أدركوا أن أول كلمة نزلت في القرآن (اقرأ) لها أبعاد ودلالات أخرى.. فبدأوا يقرأون ويلتهمون الكتب وكل ما يقع تحت أيديهم فكان مخرجات ذلك أن ظهر العلماء والمفكرون والفقهاء والباحثون الذي ارتقوا بالأمة وأصبحوا سادة العالم في ذلك الحين. هناك اعتقاد سائد لدى الشباب في المجتمع العربي أن القراءة تمنحك المتعة والتسلية وبها تستطيع أن تضيع أكبر قدر من الوقت وهذا مبدأ معقول ومقبول إذا قارناه بمن يعتقدون أن القراءة تبعث على الممل والاكتئاب وبالتالي نفهم من ذلك أنهم لا يقرأون إطلاقا ً.
في حين يختلف شباب العرب على أن القراءة مسلية أم لا، نجد أن الغرب قد اتفق على أن مبدأ القراءة لمجرد التسلية وزيادة المعلومات قد سقط.. وأن القراءة وثقافة الكتاب في الولايات المتحدة مثلا ً أضحت قضية تتعلق بصلب الأمن القومي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي!.
و تؤكد التقارير الأمريكية بأن القارئ هو إنسان ومواطن صالح يعيش حياة راقية ويستطيع الحصول على وظيفة مرموقة وراتب أعلى لأنه لديه وعي وثقافة وقدرة على التعامل بالانسيابية ورقي مع الآخرين في أغلب الأحوال.
و أن المواطن الذي لا يقرأ لديه فرص أكبر في الوقوع في المشاكل في حياته العامة.. فتؤكد الإحصائية نفسها بأن 56% من نزلاء السجون لا يقرأون في حين 3% فقط يقرأون.
الكثيرون يعتقدون بأن القراءة لمجرد زيادة الحصيلة الثقافية والمعلومات العامة.. ولكن الكتب اليوم و- المترجمة تحديدا - أصبحت تمس واقعنا وحياتنا وتقدم لنا نصائح وحلولا لحياة وواقع أفضل.
فهناك باقة من الكتب والعناوين الجذابة التي تساعدك على تطوير شخصيتك والحصول على أصدقاء وكسب ود مديرك في العمل والتخلص من العادات السلبية وتمنحك امتيازات خاصة حين تكشف لك أسرار الخطيب الناجح أو القائد الملهم وتقدم لك وصفات للحصول على ثروة طائلة أو ربما لارتقاء السلم الوظيفي بسرعة وثقة وغيرها من القضايا والشؤون التي تلامس حياتنا نحن البشر.
في سير العظماء والمبدعين وقادة العالم كانت هناك كلمة سر لدخول بوابة النجاح وهي (القراءة).
فالقارئ شخص واع ومثقف ومتحدث ومبدع في أغلب الأحيان.. بينما الشخص الذي لا تربطه علاقة جيدة بالكتب فتجده يكثر الكلام القليل ويواجه مشاكل متعددة في الخطابات والأحاديث الاجتماعية لقلة معلوماته وشح مفرداته وضعف ثقته بنفسه.
لم يدرك الشاب أن القراءة ليست مثل نظرته المحدودة والمسبقة لها.. إنما هي أهم وأعمق من ذلك.. حيث إن كثيرا من الناس قالوا: إن القراءة هي الحياة، وأنهم يقرأون لأن الحياة وحدها لا تكفي.. ويصفون التغيير الكبير والكلي في حياتهم قبل وبعد الكتاب.
لم أستغرب حين سأل الإعلامي المتميز أحمد الشقيري في برنامجه الرمضاني (خواطر شاب) أحد المتسوقين في المراكز التجارية كم عدد الحروب العالمية حتى الآن؟ فقال: أعتقد 28 حربا ً ولم أتعجب حين لم تعرف إحدى الشابات أين هي مصر على الخارطة أو أين تقع فنزويلا!. بل تألمت على هذا الأجوبة المضحكة المبكية.. وأدركت بألا أحد يستطيع ركوب ظهرك إلى إذا كنت منحنيا، وأن من رضي على نفسه بأن يكون دودة فلا يغضب إذا داسه الناس بأقدامهم.
تؤكد الإحصائيات أن معدل ما يقرؤه المواطن العربي كل عام يبلغ ربع صفحة بينما يقرأ البريطاني 7 كتب والأمريكي 11 كتابا سنويا ً!.
و أمام هذا الواقع المفزع لن أقول: إننا أمام مشكلة أو أزمة أمية ثقافية بل أمام فضيحة حضارية تجعلنا نقف بخجل وحرج أمام أنفسنا وأمام العالم.
و لا أعرف من هو المسؤول عنها.. هل هو البيت الذي يتوفر فيه كل شيء سوى الثقافة والكتاب؟؟
أم هي المدرسة التي نفرتنا من الكتب الدراسية بل جعلتنا نحذفها بقسوة آخر العام؟؟
أم هو المجتمع الذي لا يحترم الكتاب وبالتالي لا يقدر المثقف؟؟ أم أنه نحن الذي نعلم أن القراءة هي غذاء العقل والروح وهي أساس الحضارة السابقة واللاحقة ولا نصدق أو بمعنى أدق لا نريد أن نصدق!.
للأسف مازال مبدأ القراءة والدراسة في مدارسنا لمجرد النجاح وليس للعلم أو للثقافة.. ومازال أمين المكتبة الذي فرغته الوزارة لهذا العمل الذي لا يستحقه أحيانا ً (يكش الذبان) ويختنق بالغبار والأتربة التي تغطي الكتب التي لم تلمس من سنين!.
لم ولن أنسى ذلك الموقف الذي واجهته حين كنت طالبة.. فقد كنت أرتاد مكتبة المدرسة بشكل شبه يومي وأقضي وقت فسحتي بين رفوف الكتب العالية الأمر الذي لم تقتنع به أمينة المكتبة بل واجهتني بنظرة فيها من الريبة والشك والوقاحة الشيء الكثير حين قالت لي: أن لست ساذجة كما تعتقدين، فأخبريني و(اعترفي) ماذا تفعلين هنا كل يوم بين رفوف الكتب الخلفية؟!.
مثل ذلك التصرف المشين كان كفيلا بأن يجعلني أنفر من مكتبة المدرسة وأتوقف عن زيارتها لأتجنب التعاطي مع فكر ضيق ومتحجر ومؤدلج لا يليق بمهنة راقية وسامية مثل مهنة (أمينة مكتبة). و بالمناسبة أصبح هذا التصرف متوقعا ً منها حين عرفت لاحقا ً أن أمينة المكتبة.. نعم أمينة المكتبة لم تقرأ كتابا يوما ً!!.
ختاما أقول.. قال أحد الحكماء يوما ً قل لي ماذا تقرأ أقول لك من أنت، فلا تقل لي لم أقرأ حتى لا أقول لك (أنت لا شيء).
* * *