Al Jazirah NewsPaper Friday  20/03/2009 G Issue 13322
الجمعة 23 ربيع الأول 1430   العدد  13322
الأمن الأسري
عقيد د. عبد العزيز بن سليمان الحوشان

 

التربية هي نظام اجتماعي يقوم بدور وظيفي لإعداد بيئة مثالية من خلال وسائط ومؤسسات وأجهزة ذات فاعلية في تكوين الفرد وتهيئته من الناحية الجسمية والعقلية والأخلاقية ليكون عضواً فعالاً في المجتمع ويعيش حياة سوية في البيئة الاجتماعية.

تربية الأطفال ليست بالعملية الهينة فهي عملية شاقة ومرهقة تحتاج إلى الصبر وبذل قصارى الجهد من الأسرة والعائلة؛ فهي تتميز بالأهمية البالغة لإعداد النشء، فالأسرة هي مصنع الأجيال؛ فجمال الفرد من جمال الأسرة التي تؤصل المفاهيم الحميدة في نفوس أفرادها.

القسوة على الأبناء والمبالغة فيها أو التجاوز والتعسف فيها بالضرب أو الجرح أو حتى جرح مشاعره أمام الغير له اثر نفسي شديد في خلق أحاسيس لديه بالنقص والانطواء داخل الأسرة وتكوين السلوك السلبي، ويبدأ الطفل في إثبات الذات من خلال الانفلات من قيود الأسرة والهرب من نطاقها المقيد لحريته ويبدأ في مرحلة إثبات الذات من خلال البحث عن رفقاء السوء للتعويض عن ما فقده من داخل البيئة الأسرية. وهذا عادة يكون في الأسر المتهشمة -للأسف- والناتج عن عدم التوافق بين أركانها فيكون الضحية هم فلذات الكبد.

جميع صور الإيذاء سواء كانت بدنية (الجرح أو الضرب)أو معنوية لها أثر نفسي شديد في خلق أحاسيس لديه بالانطواء والبغض والانعزالية.

هذه الأفعال الخطيرة تعد من جرائم العنف الأسري والذي تُجرمه جميع القوانين، هذه الجرائم نشاهدها تعرض علينا بين الحين والآخر من خلال الصحف المحلية أو يتطرق لها الناس في مجالسهم وأحاديثهم مستطردين صور هذه الجرائم والأفعال التي لها وقع شديد على النفس، لذا لا بد من توعية الأسرة على هذه الأفعال المجرمة وإيضاح آثارها السلبية على الأطفال ولا بد من الوقوف في وجه من يرتكبها ومعاقبته على أفعاله.

رغِبتُ أن اُعلق على ظاهرة إيذاء الأطفال من ناحيتين: الأولى من ناحية التجريم والتأديب لمن يرتكبها والثانية من الناحية التربوية والنفسية وآثارها المستقبلية على الأطفال.

ظاهرة العنف ضد الأطفال من ناحية التحريم والتأديب لمن يرتكبها ومن النواحي التربوية وآثارها المستقبلية على الأطفال.

1- من ناحية التجريم والتأديب:

هذه الأفعال بلا شك مجرمة أفعالها؛ حيث إن القوانين تحمي حق الإنسان في الحياة بتحريم الأفعال التي تمس مهجة الإنسان ومعاقبة الجاني على جريمته وهنا يحمي القانون أيضا حق الإنسان في سلامة جسمه، فتحريم أفعال الضرب والجرح متى توافرت أركانها وهذه الجرائم قد تكون عمدية أو غير عمدية بحسب توافر القصد الجاني فيها.

إن سلامة جسم الإنسان والمحمي تشتمل على الآتي:

1- حقه في الاحتفاظ بالمستوى الصحي الذي يتمتع به؛ حيث لا يتسبب أي إنسان في التأثير في هذا المستوى بأي شكل من الأشكال.

2- حقه في الاحتفاظ بمادة جسمه بحيث لا يتسبب فعل الجاني في نقص عضو من الأعضاء بالبتر أو الشلل أو تقليل المنفعة.

3- حقه في التحرير من الآلام الجسدية بحيث لا يتسبب أي فعل في الإضرار به وإيجاد الآلام له أياً كان مقدارها.

وعلى هذا، فإن أي فعل يمس جانبا من هذه الجوانب الثلاثة يشكل اعتداء على سلامة الجسم والذي يعد جريمة كل فعل يترتب عليه تعطيل بعض أجزاء الجسم أو أجهزته عن أداء وظيفتها سواء كان التعطيل دائما أو مؤقتا، وكذلك يعد الاعتداء على سلامة الجسم كل فعل يسبب للمجني عليه آلاماً بدنية سواء ترتب على هذا الفعل هبوط بالمستوى الصحي للمجني عليه أو مساس أي جزء من جسمه لأن فعل الجاني في هذه الجريمة يتخذ أحدى صورتين: إما الجرح وهو المساس بأنسجة الجسم الذي يؤدي إلى التمزيق أو القطع للأنسجة وإحداث الجروح، وإما الضرب ويقصد به المساس بأنسجة الجسم عن طريق الضغط عليها مساسا لا يؤدي إلي تمزيقها أو الضغط على أنسجة الجسم دون أن يترتب على ذلك قطع وتمزيق، وليس يعني ذلك أن يحبب لقيام هذه الجريمة أن يترك الضرب أثاراً في الجسم كالكدمات أو احمرار الجلد، ومنها الكدمات التي تقع على نواحي الجسم وعادة ما تقع على الوجه أو حول العينين أو الظهر أو البطن لدى الأطفال أو تحدث إصابات في العظام، وهذه تكون غالبها في الأطراف أو إصابات في الرأس وغيرها من الأفعال التي تدل على العنف الأسري أو ينشأ عنه مرض أو عجز، لذا يظهر لنا من ذلك أن جميع الممارسات التي يقسى بها على الأطفال تعتبر أفعالا محرمة وتخرج عن حق التأديب الذي هو حق للوالدين؛ حيث تم تحديد استعمال هذا الحق المشروع بحيث لا ينشئ عنه ضرر للطفل.

وقد أنيط التأديب للوالدين تأديباً على الأفعال التي فيها مصلحة الطفل لأن الوالدين هم أشفق من غيرهم على الأبناء، فإذا تجاوز الحد في التأديب فإن الشفقة تكون قد انتزعت منه والتأديب هذا بالأمور البسيطة التي لا تتجاوز الاعتداء على جسم الطفل و إيذائه وألا يجوز استعمال هذا الحق ولم يتعد حدود هذا الحق مع توافر النية الحسنة في أمور التربية أو التعليم، وهذا التأديب لا يلجأ له إلا بعد نفاذ النصح والوعظ والإرشاد.

2- من الناحية التربوية والنفسية:

الأسرة لها دور عظيم تجاه مسئولياتها الإشرافية على تربية الأبناء داخل نطاقها لتحقيق غاية عظيمة من خلال توجيه وتقويم الأطفال مع اتخاذ مناخ تربوي وصحي لهذا الطفل للوقاية من انحرافه والوقوع في براثين الإجرام، لأن انتشار جرائم الأحداث بسبب إهمال الأسرة لجانب التربية وإقامة المناخ الصحي والسليم الذي يعيش به الأبناء لأن السلوك الإجرامي يكون تراكمات وممارسات خاطئة في البيئة الأسرية التي يرثها الطفل من هذه الأسرة؛ لأن الفرد لا يصبح مجرما بين عشية وضحاها، وإنما ينمو تدريجيا في حالة فقدان الجو الصحي في الأسرة ومعروف أن النزعات العدوانية لدى الطفل يمكن اكتشافها وعلاجها إذا وجدت المتابعة المستمرة قبل أن تستفحل ويصعب علاجها لفوات الأوان؛ لأن جذور الجريمة توجد في أعماق الشخصية من الصبا، لذا بإمكان الأسرة إقامة العلاقات الودية والعاطفية مع الطفل لضمان نمو هذه الشخصية بطريقة سليمة لتحصينه ضد الجنوح الذي يقوده إلى براثين الجريمة.

الأسرة تقع عليها المسئولية العظيمة في إعداد النشء خاصة في مرحلة الطفولة التي هي قاعدة التربية وبناء الشخصية لأن هذه الشخصية في هذه الفترة العمرية تكون لينة وهشة ورقيقة يمكن تقويمها بيسر وسهولة، ومن هنا يكتسب الطفل الموروث التربوي من الأسرة، ومن هنا يبدأ التوجيه والتأديب والاعتدال في التأديب لأن المبالغة في التأديب والقسوة فيه تجاوز لحقوق الطفل وحتما سيؤثر على نزعته نحو العدوان الذي حتما سيقوده إلى عالم الإجرام فيما بعد.

من هنا يبرز الدور العظيم للأب والأم في مفهوم التربية لأن الطفل يبدأ في البحث عن الثقة والاعتزاز بالنفس داخل الأسرة فما بالك إذا كان الوالدان هم أساس المشكلة في الاعتداء والقسوة على الأطفال، فماذا تنتظر من هؤلاء الأطفال؟ حتما سيكونون موروثا أسريا سلبيا؛ فقد عود من خلاله لسلوكيات خاطئة ويبدأ بالابتعاد عن الأسرة ويحاول الخروج عن مناخها الذي لم يجد الأمان فيه ويلجأ إلى الشارع بالبحث عن من ينفس عنه همومه ويبدأ الهروب من المنزل ومرافقة قرناء السوء، وهنا تبدأ مشكلة الانحراف الذي أصبح سببه الممارسات الخاطئة للأسرة، والأسرة التي لم تحسن التعامل واحتواء هذا الطفل ورعايته ولكن يبقى دور المدرسة في اكتشاف مثل هذه السلوكيات ومحاولة تقويمها ومعالجتها مع الأسرة وان اكتشاف الاعتداءات البدنية على الأطفال يجب أن لا تسكت عليه المدرسة وإنما البحث العاجل عن علاجها من خلال الاتصال بالأسرة أو الجهة المسئولة عن ذلك لحماية الأطفال من العنف الأسري.

ومما سبق يتضح الدور الهام للأسرة في خلق ميول السلوك الإجرامي أو العزوف عنه؛ فمتى كانت الأسرة سليمة في كل معتقداتها ومفاهيمها في خلق المناخ السليم والصحي وتنتقي سلوكيات التهذيب والرعاية والتوعية والتوجيه كان ذلك كفيلا في خلق أسرة خالية من الجريمة.

أما إذا كانت الأسرة قد ضربها التفكك والتصدع، فحدث ولا حرج، فهذا الدافع إلى الانحراف وهذا التصدع يبدأ من عدم التوافق بين الوالدين ونشوب الخلافات والنقاشات الحادة أمام أنظار الأبناء وخدش طفولتهم ويكون هذا له انعكاس على الأبناء، فيقع الاعتداء بالضرب تنفيس من هذه الخلافات والمشاحنات ويبدأ في مرحلة البحث عن رفقاء السوء والتعويض عن ما فقده من داخل البيئة الأسرية فهذا هو الموروث الذي كسبه بالإضافة إلى عوامل أخرى مساعدة في الانحراف، ولكن نحن بصدد الحديث عن جرائم الاعتداء على الأطفال وتحقيق وترسيخ مفهوم الأمن الأسري (أسرة بلا جريمة).

مدير دوريات الأمن بالمنطقة الشرقية


colazizhs@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد