Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/03/2009 G Issue 13328
الخميس 29 ربيع الأول 1430   العدد  13328
قراءة في استراتيجية القاعدة .. كتاب (إدارة التوحش) (3)
الحركيون يستحلون ما يحرمونه على غيرهم!!
د. عبدالله بن ثاني

 

من المضحك أن تسعى التنظيمات الحركية إلى نشر التوحش في المجتمع المسلم بعد أن كان آمناً مطمئناً يأتيه رزقه رغداً من كل مكان مقيماً لحدود الله في محاكم القضاء الشرعي، ثم تضع حلولاً غير واقعية لنشر الأمن وتوفير العلاج والغذاء وإقامة القضاء الشرعي.. فيهدمون البناء القائم على أحسن الوجوه بلا مسوغ ليصلوا إلى مرحلة (الفناء الحضاري)

ثم يديرون التوحش بطريقة فوضوية مما يدل على أن الهدف سياسي وهو بعيدٌ كل البعد عن مقاصد الشرع وسماحة الإسلام والعلم الشرعي، قال ناجي ص 11- 12: نحب أن نوضح مهمات إدارة التوحش في الصورة المثالية التي نرومها، والتي تتفق مع مقاصد الشرع، هذه المهمات هي: نشر الأمن الداخلي، توفير الطعام والعلاج، تأمين منطقة التوحش من غارات الأعداء، إقامة القضاء الشرعي بين الناس الذين يعيشون في مناطق التوحش، رفع المستوى الإيماني ورفع الكفاءة القتالية أثناء تدريب شباب منطقة التوحش وإنشاء المجتمع المقاتل بكل فئاته وأفراده عن طريق التوعية بأهمية ذلك. العمل على بث العلم الشرعي (الأهم فالمهم) والدنيوي (الأهم فالمهم) بث العيون واستكمال بناء إنشاء جهاز الاستخبارات المصغر، تأليف قلوب أهل الدنيا بشيءٍ من المال والدنيا بضابط شرعي وقواعد معلنة بين أفراد الإدارة على الأقل، ردع المنافقين بالحجة وغيرها وإجبارهم على كبت وكتم نفاقهم وعدم إعلان آرائهم المثبطة ومن ثم مراعاة المطاعين منهم حتى يكف شرهم. الترقي حتى تتحقق إمكانية التوسع والقدرة على الإغارة على الأعداء لردعهم وغنم أموالهم وإبقائهم في توجس دائم وحاجة إلى الموادعة، إقامة التحالفات مع من يجوز التحالف معه ممن لم يعطِ الولاء الكامل للإدارة، ومن يفحص النص السابق بموضوعية يقف عند مقاصد الشرع ويتساءل لماذا ينتقد الحركيون الدولة في أمور ثم يحوزون لأنفسهم تطبيقاً تحت قاعدة مقاصد الشرع، وما الذي حللها لهم وحرمها على الآخرين، وسنقف مع ما ورد في النص السابق مما يخالف مقاصد الشرع التي تحمي الضرورات الخمس ومن ذلك:

1 - إن نعمة الأمن في الأوطان من أجل النعم وهي متوافرة في مجتمعنا ولله الحمد ومن يكفر بهذه النعمة تحديداً فسيذيقه الله الخوف والجوع ولن تستطيع ميليشيات التنظيمات الحركية أن تعيد التوازن للمجتمع وتنشر الأمن فيه بعد تفكيكه إلى قبائل وطوائف وأقاليم، كل منها يفتح ملفاته مع الآخر، يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة النحل:

(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ).

2 - هم يدركون في هذه المتغيرات العالمية أنهم غير واقعيين وبخاصة في ظل سيطرة القوى الكبرى التي لن تسمح بتغيير النظام السياسي العالمي وتحكم المتوحشين في منابع النفط حتى لو أحرقت المنطقة بمن فيها.. فأي تأمين للمنطقة من الأعداء بأسلحة بدائية ومجموعات فوضوية.. لإنشاء كونتنات متوحشة كما تدعو إليه الفوضى الخلاقة التي طرحتها القوى الغربية بعد أحداث سبتمبر.

3 - لن تستطيع إقامة القضاء إلا قوة، والحركيون لا يملكون قوة تؤهلهم لإدارة التوحش فضلاً عن إقامة نظام قضائي... وكثيراً ما نسمع على لسان ولاة الأمر في هذه البلاد ما يؤكد قيام هذه الدولة على الكتاب والسنة ونص على ذلك النظام الأساس للحكم وأحياناً يتدخل ولي الأمر في باب ضيق من أبواب التعزير للمصلحة العامة، والقضاء من أعمال السلطان.

4 - إن قوله: (تأليف قلوب أهل الدنيا بشيءٍ من المال والدنيا بضابط شرعي وقواعد معلنة بين أفراد الإدارة على الأقل) يناقض مهاجمة الحركيين للدولة في تأليف قلوب الناس والطوائف في المال والمناصب الفخرية، وبخاصة أن التأليف يجوز منح الكفار والمشركين والمنافقين والليبراليين وغيرهم جزءاً من الزكاة تحت صنف (المؤلفة قلوبهم) تقديراً لمصالح يدركها ولي الأمر.

5 - إن قوله: (ردع المنافقين بالحجة وغيرها وإجبارهم على كبت وكتم نفاقهم وعدم إعلان آرائهم المثبطة ومن ثم مراعاة المطاعين منهم حتى يكف شرهم) وقوله: (إقامة التحالفات مع من يجوز التحالف معه ممن لم يعطِ الولاء الكامل للإدارة) يناقض مهاجمتهم الدولة التي لم يسمح إعلامها بنشر ما يخالف الإسلام من آراء ورؤى ونظريات وحينما ترى مصلحة في مراعاة المطاعين منهم وتقيم التحالفات مع الآخرين ليكفوا شرهم لا تسلم من تكفيرهم وطعنهم وتشويههم، ومما يلحظ في المبحث الأول التهييج لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والطعن في هيئة الأمم المتحدة ويمكن الوقوف على ما يلي:

1 - انهم يسعون إلى أن تحارب الولايات المتحدة بنفسها في المنطقة وجرها إلى مواجهات تنشر الفوضى الخلاقة والتوحش تمهيداً لمشروعهم السياسي الذي لا يختلف عن مشروع ليبرالي جاء على ظهر دبابة أجنبية لتدمير وطنه كما في ص (10)، ولقد سمعنا في اعترافات بعضهم أنهم يهدفون من تفجير مصافي البترول في بقيق جر الولايات المتحدة إلى المنطقة بحجة تأمين منابع النفط ليتم حربها في جزيرة العرب التي كانوا يطالبون بإخراج النصارى واليهود منها في صورة متناقضة تفضح الهدف الحركي البعيد عما يقتضيه الإسلام... والصواب عدم تمني لقاء العدو وجلبه لديار الإسلام فقد روى الإمام الحافظ المحدث أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في صحيحه قال الجهاد والسيرة باب لا تتمنوا لقاء العدو.

حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عاصم بن يوسف اليربوعي حدثنا أبو إسحاق القزاري عن موسى بن عقبة قال حدثني سالم أبو النصر مولى عمر بن عبيد الله كنت كاتباً له قال كتب إليه عبدالله بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية فقرأته فإذا فيه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقى فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال أيها الناس لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ثم قال اللهم مُنزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم... قال الإمام الحافظ المحدث الفقيه أبو الفضل أحمد علي بن حجر العسقلاني الشافعي رحمه الله في شرحه على البخاري قوله: (لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا) قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصديق: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلي فاصبر) وقال غيره: إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم... ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله (وسلوا الله العافية).

وأخرج سعيد بن منصور من طريق يحيى بن أبي كثير مرسلاً (لا تمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون عسى أن تبتلوا بهم) وقال ابن دقيق العيد: لما كان لقاء الموت من أشق الأشياء على النفس وكانت الأمور الغائبة ليست كالأمور المحققة لم يؤمن أن يكون عند الوقوع كما ينبغي فيكره التمني لذلك ولما فيه لو وقع احتمال أن يخالف الإنسان ما وعد من نفسه، ثم أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة انتهى. واستدل بهذا الحديث على منع طلب المبارزة، وهو رأي الحسن البصري، وكان علي يقول: لا تدع إلى المبارزة، فإذا دعيت فأجب تنصر، لأن الداعي باغ).

2 - إصراره على إطلاق مصطلحات الردة والعمالة على كل من يتعامل معها أو يوقع على ميثاق هيئة الأمم المتحدة كما ذكره في ص 10-14: خصوصاً عندما ينكشف لأهل الغفلة من الشعوب وهم الأكثرية حقيقة عمالة هذه الأنظمة لأعداء الأمة بصورة لا ينفع معها أي أقنعة كاذبة، وبحيث لا يبقى حجة لأي مدعٍ بإسلام هذه الأنظمة وأعوانها) وهذا غير صحيح، لأن الأمة ملتزمة بالسلام العالمي، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً).

وهذه دعوة للبشرية جمعاء إلى الدخول في السلم والسلام كما جاء في تفسير المنار لرشيد رضا ج2- 258 بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع أسس التعاون بين المسلمين وغيرهم لنصرة المظلوم ورد العدوان، ولذلك أخطأ الحركيون في تحريم تدخل هيئة الأمم المتحدة وقوات التحالف في نصرة الكويت من براثن البعث في العراق، قال محمد بن إسحاق بن يسار وتداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبدالله بن جدعان لشرفه وسنه وكان حلفهم عنده بنو هاشم وبنو عبدالمطلب وبنو أسد بن عبدالعزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة فتعاهدوا وتعاقدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا كانوا معه وكانوا على من ظلمه حتى يرد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول قال محمد بن إسحاق فحدثني محمد بن زيد بن المهاجر قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبدالله بن عوف الزهري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعا به في الإسلام لأجبت قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد الليثي أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه أنه كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب والوليد بن عتبة بن أبي سفيان والوليد يومئذ أمير المدينة أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان منازعة في مال كان بينهما بذي المروة فكان الوليد تحامل على الحسين في حقه لسلطانه فقال له الحسين احلف بالله لتنصفني من حقي أو لاخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأدعون بحلف الفضول قال فقال عبدالله بن الزبير وهو عند الوليد حين قال له الحسين ما قال وأنا أحلف بالله لئن دعا به لاخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعاً قال وبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري فقال مثل ذلك وبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن عبيدالله التيمي فقال مثل ذلك فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع اتفاقيات ومعاهدات الأمن المشترك مع اليهود في المدينة وعدم الاعتداء مع القبائل حول المدينة، وإجراء معاهدات صلح كما في الحديبية مع كفار قريش.

3 - يطلقون على حضارة الولايات المتحدة حضارة الشيطان في صورة تناقض ما كانوا يطلقونه عليها في حروبهم مع الروس إذ يصفونهم بأنهم أهل كتاب وهم أقرب ديانة، كل ذلك يثبت أن تشويه الإسلام على يد هؤلاء جريمة إذ يصدون عن سبيل الله بتصرفاتهم غير المسؤولة وما أصدق سيدي عمر حينما قال لسعد في رسالته (واعلموا أني أحذركم أن تكونوا سيفاً على المسلمين وسبباً لتوهينهم)، وما زالت الأمة تدفع فواتير الحادي عشر من سبتمبر وأقل ما فيها الخيانة والغدر إذ دخلوا تلك البلاد بأمان من أهلها، ولكنهم غدروا في صورة تتناقض عما فعله الخليفة عمر بن عبدالعزيز عندما شكا له أهل سمرقند أن الجيش الإسلامي دخل بلدهم غدراً، فأمر الخليفة الجيش بالخروج حماية لسمعة هذا الدين الذي يحض على الالتزام بالعهد والميثاق، قال تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) قال ميمون بن مهران في الفخر الرازي من عاهدته وفَّ بعهده مسلماً كان أو كافراً فإنما العهد لله تعالى، وقد تحدث العلماء عن نصرة المسلم لأخيه المسلم انطلاقاً من قوله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) قال القرطبي: إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروا عليهم ولا تنقضوا العهد حتى تتم مدته.. وروى الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له).



abnthani@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد