Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/03/2009 G Issue 13328
الخميس 29 ربيع الأول 1430   العدد  13328
نوافذ
حلم بنكهة... خضراء
أميمة الخميس

 

الجنادرية في سنواتها الأولى، لم تعانِ تعثرات البداية، ولم تكابد قلق الخطوات الأولى، بل هطلت على المكان بجميع تفاصيل الحلم الأخضر الذي كان في ذهن مؤسسها مشروعاً ثقافياً شاهقاً مرادفاً للمشروع التنموي، كان أبو متعب يطمح إلى أن تكون النبض الذي ينساب في جسد المكان، حيث التراث والشعر والفنون والأوبريت، وجميع التفاصيل التي تنهض بالإنسان وتستهدف الإنسان وتجل قدراته على الإبداع والتحليق وتجاوز قسوة ظرفه.

لكن ذلك المشروع الوطني الحلم... ترصدت به في سنوات لاحقة غيمة غبارية كثيفة، كانت تمتص رونقه، وتشحب نضارته، وتجفف النسغ الذي كان يجري في عروقه؛ حتى بات في النهاية عبارة عن هياكل لأحلام مؤجلة، وأجندات باهتة، وأعمدة لمدينة غادرت أفرادها الهمة والعزيمة، بل تلاشى الفكر الاستراتيجي المنظم الذي يحمل بين طياته خطة لمشروع ثقافي وطني على مستوى شعب بكامله، ولم يبق ما يعول عليه، وباتت قرية الجنادرية كالمدينة المسحورة تستيقظ لأسبوعين في العام ثم تعود لتلتحف غبارها وتدخل في غيبوبتها من جديد.

ولكن مؤخراً زالت تلك الغيمة القاتمة عن الجنادرية........!

بل عن المكان برمته، وابتدأنا نستعيد تلك التفاصيل النضرة، والحقائب المحملة ببشائر الوعي المخصب بالتفاؤل للمكان وأهله.

زرت الجنادرية هذا العام أنا وعائلتي (معاً)، استمتعنا بممراتها ودهشتها وزحامها معاً، تداولنا بداخلها أقراص الكليجا، والحبق المدني، كما تداولنا بهجة المتعة المشتركة التي لم تكن الجنادرية في السابق تجود بها، وعرجنا على الجناح الروسي الزائر، روسيا التي كانت تتوارى خلف الجدار الحديدي، وخلف أساطير وأيديولوجيات؛ حتى كنا نظن أن الروس هم ليسوا سوى قطيع من الدببة القطبية المتوحشة يعتمرون القبعات الحمراء كما تصورهم أفلام الجاسوسية في هوليود.

في الجناح الروسي لفحت وجوهنا نسمة سيبيرية منعشة، لم نجد المنجل والمطرقة الحمراء، بل كان كل شيء أزرق منعشاً بلون بحيرات رقصة البجع، بلون أعين بطلات روايات مكسيم غوركوي وديستوفيسكي، والبزة الزرقاء الأنيقة التي كان يرتديها دكتور زيفاجو، روسيا التراث والحضارة والفنون والموسيقي وشعب متجذر في الإبداع، لم تفسده سبعون عاماً من تعاليم البلاشفة. استزرع له جزيرة زرقاء داخل الجنادرية، ونحن نتقصى ونستعيد ملامح روسيا المغيبة خلف الأيديولوجيا، كنا نستعيد أيضاً... الجنادرية... الجنادرية كحلم أخضر باذخ وارف للمكان...، نستعيدها ونحن نطمح إلى أن يداخل مشروعها الثقافي والفكري وثبة تقيل عثرتها الطوييييييييلة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد