قد يأتي الفقر بشكل مفاجئ من خلال مضاربة مالية غير محسوبة أو حادثة أو كارثة طبيعية تؤدي إلى خسارة مادية أو جسمية، ومن ثم يأتي دور نظرية الأزمة أو إدارة الأزمات وكيفية تطبيقها على المستوى الفردي لعبور المشكلة أو التعايش معها بأقل الأضرار. ولكن الفقر في مجتمعنا - حسب تقديري - معظمه نتاج ظروف اجتماعية وتنظيمية فردية تراكمية، ورغم ما تقدمه الدولة من خلال الضمان الاجتماعي وبنك التسليف وصناديق ولجان وفروع الجمعيات الخيرية من دعم وقروض للمحتاجين من فئات الشعب التي لا يسعنا في هذا المقال تسطيرها، إلا أن الفقر اصطلاح نسبي يمكن تعريفه بمقارنة ظروف مجموعة من الناس أو اقتصاد بلد بكامله مع غيره، علماً بأن تعريفه صعب؛ لأنه يعتمد على سلسلة فرضيات حول مستوى المعيشة الملائم الذي تتمتع به بعض الشعوب ولا يتمتع به البعض الآخر، إضافة إلى أن معظم تعريفاته بنيت على أساس مجموعة من المصطلحات مثل الفقر المطلق وهو أن تكون وجبة الطعام القادمة بالضبط هي مسألة حياة أو موت، أما الفقر النسبي فهو أكثر صعوبة كمفهوم موضوعي يعتمد على خط الفقر الذي يخضع لحساب كمية النقود التي تعتقد الحكومات أنها ضرورية للشخص لكي يعيش على قيد الحياة عند أقل مستوى في المجتمع، وقد عرّفه (تون سند) بأنه يُطلق على الأفراد أو الأسر أو المجموعات عندما تعوزهم الموارد التي تمكنهم من الحصول على الغذاء والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والحصول على وسائل المعيشة وأسباب الراحة المتعارف عليها أو على الأقل معترف بها في المجتمعات التي ينتمون إليها؛ فمواردهم أدنى بكثير من تلك المقبولة لدى الفرد العادي والعائلة؛ حيث يكونون بالنتيجة بعيدين عن أنماط وعادات وأنشطة الحياة الاعتيادية. ولكن هل ينطبق ذلك على مجتمعنا الذي يعمل به أكثر من ستة ملايين أجنبي، معظمهم لا يتعدى تعليمه الابتدائي، وقد يصرفون على أكثر من خمسين مليون نسمة في بلدانهم؛ وذلك لطبيعة العلاقات الاجتماعية في المجتمعات النامية؛ فالمقيم بهذا البلد عادة يكون مسؤولاً عن فقر والديه وأسرته وأقاربه.. إلخ؛ حيث يأتي معظمهم إلى هذا البلد ولم يجد ما يلبسه سوى وزرة ويحمل كيساً من القماش به بعض الأغراض، ويخرج من هذا البلد وقد تغير سلوكه وتعلّم التقنية، حتى ملامح وجهه ونظارة شعره، وقد لبس النظارات الشمسية والبنطلون والقميص وساعة ذهبية وجزمة وشنطة بيده من الماركات العالمية، حيث أحدث ذلك تغييراً على شخصه وأسرته وأقاربه في بلده من خلال السوق المفتوح بذلك البلد المبارك. فإني أقول إن تعريف الفقر في هذا البلد عليه بعض الملاحظات التي قد لا تنطبق على مجتمعنا، فالمثل الصيني يقول (علمني كيف اصطاد السمك ولا تعطيني سمكة)، فإذا كان المعاق عندنا وبعض البلدان يجيد بعض الصنعات للعفاف عن السؤال، فمن باب أولى المعافى من أفراد الأسر المحتاجة يستطيع أن يقوم بأي عمل دون الحاجة إلى شهادة أو إمكانيات مادية كبيرة، خاصة أن فرص الإقراض أصبحت ميسرة من الدولة عن طريق بنك التسليف، إضافة إلى الجمعيات الخيرية والغرف التجارية التي نرى أن يُفعّل دورها أيضاً في تأهيل أفراد هذه الأسر المحتاجة مهنياً بعد دراسة حالة الأسرة من الضمان الاجتماعي وإحالة الأسر المحتاجة إلى مراكز التدريب واستغلال إمكانيات تلك الأسر. فعلى سبيل المثال برامج تأهيل الأسر المنتجة التي تعمل عليها بعض الجمعيات النسائية خاصة تعتبر من أفضل البرامج التأهيلية؛ حيث تعمل على تأهيل أحد أفراد الأسرة بصنعة لبوس لها تكفيها عناء الحاجة للناس مثل التدريب على الطبخ وإعداد الحفلات وصناعة الحلويات وتصفيف الشعر وتزيين المرأة، إضافة إلى إدارة المنزل والحاسب الآلي واللغات وبعض الفنون المهنية المربحة التي يحتاجها السوق، فالكثير من الأسر قد استفادت من برامج الأسر المنتجة، فلو رُبطت إعانة الضمان الاجتماعي بتأهيل أحد أفراد الأسرة حسب قدراته الجسمية والفكرية والمكانية لاستطاعت الأسر الفقيرة أن تدير فقرها وتُحدّ من نسبة الفقر، فأتوقع ألا يوجد في الأسر الفقيرة من لا يستطيع أن يقوم بأي عمل ما، فأبسط الأمور تعلُّم الأكلات الشعبية أو فن إعداد السلطات للمناسبات أو التخصص بنوع من الحلويات أو المعجنات أو العمل كمربية أطفال مساندة للموظفات اللاتي لا يثقن بالشغالات الأجنبيات، أو مرافقة مرضى في المستشفيات والمنازل، أو نادلات في الأفراح والمناسبات، أما البنات البالغات في الأسر المحتاجة فقد يدرسن ويعملن داخل المنزل بمساعدة أمهاتهن أو في المشاغل النسائية كمساعدات للمحترفات العاملات في المشاغل.. وماذا لو تعاقدت مجموعة من المدرسات في مدرسة مع إحدى أمهات أو بنات تلك الأسر كأم حاضنة داخل المدرسة لحضانة أبنائهن وفق أجر مقطوع، علماً بأن معظم البائعات في أسواق النساء شغالات أجنبيات، وهذا قد يكون تستراً نسائياً لتلك المباسط التي تُحرم ربات الأسر المحتاجة منها.
drdhobaib@hotmail.com