للأمانة كواجب يلتزم به الإنسان بصورة عامة معان عديدة إلا أن هذه المعاني تؤدي إلى هدف واحد وهو أداء الأمانة حسب مقتضيات الحال، فالأمانة قد تعني المحافظة على الشيء الذي يتم إيداعه لدى الإنسان سواء من إنسان آخر في الحالات العادية كأن يودع إنسان لدى إنسان آخر مالاً نقدياً أو عينياً له، أن يوصي إنسان إنساناً آخر على رعاية شؤون عائلته وأولاده في حالة غيابه، أو كما أن الأمانة قد تعني المحافظة على الشيء في الحالات العامة

كالموظف الذي يعمل في الشؤون المالية ويعهد إليه بالمال العيني أو النقدي، ومن أبرز معاني الأمانة دخولها في مجال العبادة لله عز وجل، ولذلك ورد القول الكريم في الآية(72) من سورة الأحزاب {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} والذي يهمنا من معاني الأمانة في هذا المقال معناها المتعلق بالعمل الوظيفي والعمل كما يقال جزءاً من العبادة باعتبار أن الإسلام دين ودنيا فالتزام الإنسان العامل بواجب الأمانة في عمله يدخل في إطار عبادته لله سبحانه وتعالى.

وقد حث ديننا الحنيف على واجب الأمانة في العمل الوظيفي فقد ورد في الآية (58) من سورة النساء {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وفي السنة النبوية الكريمة ورد في الحديث الشريف الذي يعدد علامات المنافق قوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا ائتمن خان).

وواجب الأمانة في العمل الوظيفي يعني التزام الموظف سواء كان مدنيا أو عسكريا رجلا أو امرأة بما ورد في دينه أولاً حول أهمية هذا الواجب والوفاء به ثم بما يحكم عمله من أنظمة وتعليمات.

فالموظف الذي من طبيعة عمله حفظ المال أو صرف الرواتب للموظفين ينبغي أن يكون أميناً في المحافظة على الأموال الموجودة لديه والتابعة لجهة عمله، كما يجب عليه المحافظة على رواتب الموظفين وصرفها في وقتها المحدد.

والموظف الذي يحتفظ بالعهد العينية كموظفي المستودعات والمخازن ينبغي عليه أن يحافظ على سلامة وصيانة ما لديه من هذه العهد وأن يقوم بتفقدها من حين إلى آخر للتأكد من وجودها وسلامتها ومدى حاجتها للصيانة أو الاستبدال من عدمه.

والموظف المسؤول عن إجراءات المناقصات المالية لشراء ما تحتاجه جهة عمله من آلات ومعدات يجب عليه الحرص على أن يتم ما يقوم به في هذا المجال من أفضل الموجود وبالأسعار المناسبة. والموظف المسؤول عن تسجيل المواليد أو استخراج البطاقات الشخصية أو العائلية يجب عليه المحافظة على أسرار الناس الأسرية المتعلقة بهذه المجالات. والموظف المسؤول عن الحسابات يجب عليه المحافظة على الأسرار المتعلقة بأملاك الناس وأرصدتهم المالية.

والموظف المسؤول عن أمن الناس يجب عليه الوفاء بما يتطلبه واجبه الوظيفي في هذا المجال وألا يستغل ما منح في عمله من صلاحيات لغرض تحقيق أهداف شخصية أو إيذاء الناس في أموالهم أو أعراضهم ونحو ذلك.

ذلك أنه من أبشع صور خيانة الأمانة قيام الموظف باستغلال منصبه الوظيفي لابتزاز الناس أو انتهاك حرماتهم وأعراضهم أو استغلال أموالهم بهدف الثراء السريع.. فهذه الشريحة يجب ألا تكون موجودة في أجهزتنا ومؤسساتنا وشركاتنا وأن يوقع عليها أقسى العقوبات إن وجد شيء منها. والمعلم والمعلم المسؤول عن تربية النشء وتعليمهم يجب عليهما استشعار أهمية عملهما والمحافظة على وقت الطلاب الطالبات وأن يكون أسوة حسنة لهم، أما التقصير في ذلك فيعتبر تقصيراً في أداء الأمانة.

وواجب أداء الأمانة وإن كان يعد أحد الواجبات الوظيفية المطلوبة من الموظف سواء كان يعمل في القطاع الحكومي أو يعمل في القطاع الأهلي، الوفاء به، إلا أن لهذا الواجب بسبب أهميته علاقة وارتباط بالواجبات الأخرى.

فالمحافظة على أوقات الدوام التي حددت من قبل جهة العمل، وأداء العمل بالدقة والإخلاص، وتنفيذ تعليمات الرؤساء، وعدم استغلال الموظف لمركزه الوظيفي لأهداف خاصة، يعتبر ذلك من أبرز الواجبات الوظيفية فإذا قام الموظف بأداء هذه الواجبات حسب المحدد في الأنظمة والتعليمات فإنه يكون قد أوفى بالأمانة. كما أن واجب أداء الأمانة يقتضي من الموظف تطبيق مبدأ المساواة في معاملات المواطنين الذين يقومون بمراجعته فلا يفرد أحدهما بتعامل خاص بسبب أن صاحب المعاملة قريب أو صديق له. ونخلص مما تقدم أن استشعار واجب الوفاء بالأمانة في مجال أعمالنا يقودنا إلى أداء عمل جيد بعيد عن الذاتية وقريب من خدمة المصلحة العامة. هذا والله ولي التوفيق.