Al Jazirah NewsPaper Friday  10/04/2009 G Issue 13343
الجمعة 14 ربيع الثاني 1430   العدد  13343
قضية التعاقد مع الأطباء
عثمان بن عبدالعزيز الربيعة

 

عم يتساءل الناس عندما يقرؤون في أخبار الصحف أن وزارة الصحة تزمع التعاقد مع أعداد غفيرة من الأطباء والعمالة الصحية الأخرى من دول العالم الثالث؟

وبماذا يجابون؟

إنهم يتساءلون بكل طيبة، إلى متى نظل نطوف

......أرجاء المعمورة نبحث عن قوى عاملة صحية يتم بها تشغيل مستشفياتنا وعياداتنا ومختبراتنا، ومراكزنا الصحية؟ وأين؟ في دول نحن نتفوق عليها في خدماتنا الصحية!

لماذا نتعاقد مع عددٍ كبيرٍ من أطباء بنغلاديش.. ألا يكفينا ما نراه من عمالتها في بطحاء الرياض؟

لماذا نذهب إلى الفلبين في أقصى الشرق من هذا العالم لنستطلع جدوى التعاقد مع أطبائها؟ لماذا نتعاقد مع ألفي طبيب من مصر؟

في إمكاننا بالطبع أن نتجول في أسواق العالم نحاول أن نتعاقد- كما كنا نفعل من قبل- مع آلاف الأطباء من عشرات الدول المختلفة لغة وثقافة وأديانا ومن دول عربية ودول إسلامية وغير إسلامية في آسيا وإفريقيا وفي دول من غرب أوروبا ومن شرقها، لكننا لسنا وحدنا المتسوقين. فدول الجوار تصول وتجول وبعض دول الغرب مثل بريطانيا يهاجر عدد كبير من أطبائها إلى كندا وأمريكا فتسعى لاستقطاب أو استبقاء قوى العمل الصحية من دول العالم الثالث لديها. المنافسة إذن حامية الوطيس ولسنا الأفضل في تقديم الحوافز والرواتب والمغريات لا مادياً ولا اجتماعياً. لذلك صار لزاماً علينا أن نوسع أو نعمق دائرة البحث في دول نطمئن إلى أن مستوى التأهيل الجامعي لأطبائها معترف به من جهات الاعتماد في بلادنا مثل بنغلاديش ومصر. ومع كل ذلك فإن كثيراً من الوظائف المعروضة للتعاقد في بلدان نامية لا تجد من يرغب فيها ولا سيما وظائف الاستشاريين والاختصاصيين، فالرواتب التي نعرضها عليهم لا تغريهم إما لأن هناك من يعرض أكثر، أو لأن لهم عيادات خاصة يكسبون من ورائها دخلاً يضاف إلى الرواتب التي تدفعها لهم جهات عملهم، أو لأنهم يشترطون العمل في مدن توجد بها مدارس لأطفالهم. وحديثو التخرج منهم يريدون مستشفيات تعليمية يؤهلهم العمل فيها للتخصص. هذا من ناحية البلدان - إلا أنه قد يرد في الذهن سؤال أيضاً عن هذا العدد الذي يبدو للوهلة الأولى كبيراً وهو في حقيقة الأمر ليس كذلك - بل هو يمثل احتياجاً فعلياً نتج عن إنجاز عدد كبير من مشاريع المستشفيات والمراكز الصحية الجديدة وعلى سبيل المثال يكون في أثناء هذا العام (1430هـ) قد انتهى العمل في إنشاء وتجهيز 40 مستشفى وأصبحت جاهزة للتشغيل. ومجموعة أسرة هذه المستشفيات الجديدة تبلغ زهاء (3500) سرير- فإما أن يتم تشغيلها على الفور وهذا يتطلب توظيف (2000) طبيب على الأقل، وإما أن يحرم الأهالي الذين ينتظرونها بفارغ الصبر من خدماتها.

على أن المبادرة بتشغيل المستشفيات الجديدة ليست وحدها مبعث الاحتياج- بل إن تطبيق برنامج طب الأسرة في المراكز الصحية يتطلب كذلك عدداً كبيراً من أطباء الأسرة الذين تم تأهيلهم ليمارسوا مهنة الطب الأسري على مستوى يحوز على رضا المستفيدين. ولأن عامل اللغة ذو أولوية في هذا النوع من الخدمات صار الاتفاق مع وزارة الصحة المصرية على ترشيح ألفي طبيب يتم التعاقد معهم على دفعات بعد اجتيازهم لبرنامج تأهيلي في طب الأسرة مدته ستة أشهر. ما ذكرناه آنفاً يمثل الحاجة الحاضرة أما بعد خمس سنوات - أي عندما تنتهي الوزارة من إنشاء مشاريع من مستشفياتها ومراكزها الصحية التي هي تحت التنفيذ الآن - فإنه سيضاف إلى الأسرة المتاحة الآن التي يقارب عددها (34000) سرير على الأرجح ثلاثة عشر ألف سرير جديد يلزم لتشغيلها تعيين ما يقارب ثمانية آلاف طبيب - ومع أن الأرقام التي أعطيناها قد تكون مقربة وغير دقيقة تماماً إلا أنها تعكس التوجه السائر- وهي بطبيعة الحال خاصة بوزارة الصحة- ولكن الجهات الصحية الحكومية الأخرى والقطاع الصحي الخاص تسير في الاتجاه نفسه - وهذا يجعلنا نتوقع التساؤل الثالث.

فأين أطباؤنا السعوديون من ذلك كله؟ لابد أن يكون لهم وجود في الساحة فيملؤون الوظائف الشاغرة ما دامت أبواب الوظيفة غير موصدة في وجوههم، وأنهم في كل عام يزيدون! لكن نسبتهم إلى مجموع أطباء المملكة تتراوح بإطراد حول نسبة الخمس، فمنذ أكثر من عشرة أعوام لم تتغير النسبة عن 31% كثيراً - على الرغم من زيادة عددهم من (6210) عام 1419هـ إلى (10370) عام 1428هـ على مستوى المملكة، لقد اختفى أثر هذه الزيادة في خضم زيادة عدد السكان من (19.355.000) إلى (24.242.600) نسمة وزيادة عدد الأسرة من (45730) سريراً إلى (53520) سريراً عن الفترة نفسها والزيادات الأخرى في عددٍ من المراكز والوحدات الصحية.

وبعد خمس سنوات يزيد عدد السكان إلى زهاء 28 مليون نسمة، وقد يصل عدد الأسرة عند جميع القطاعات الصحية إلى 85000 سرير، هذه الزيادات التي ذكرناها من دون تفاصيل تعني زيادة في الطلب على الأطباء لا يواكبها العدد الذي تخرجه كليات الطب في الوقت الحاضر. إذ إن عدداً كبيراً من كليات الطب الجديدة وبرنامج إعادة الابتعاث إلى الخارج لم ينطلق إلا منذ أقل من أربع سنوات.

وعلى ذلك فإن هذه النسبة العتيدة ستظل صامدة أمام دفعات المتخرجين ودائرة في فلك الخُمس حتى عام 1435هـ. وحينذاك يكون خريجو كليات الطب الجديدة والمبتعثون إلى الخارج قد دخلوا ميدان الخدمة الطبية مع زملائهم من كليات الطب الأخرى.

وكلما مر عام زاد عدد الخريجين تبعاً لزيادة عدد المقبولين في كليات الطب التي افتتحت حديثاً. ويبلغ عدد كليات بالمملكة في الوقت الحالي (21) كلية - وربما يزيد العدد مستقبلاً وقد لا يأتي العام 1445هـ إلا ونسبة الأطباء السعوديين قد بلغت 75% وعندها فقط لن يضطر أحد للتساؤل: إلى متى نجوب أسواق العالم بحثاً عن الأطباء؟!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد