Al Jazirah NewsPaper Friday  10/04/2009 G Issue 13343
الجمعة 14 ربيع الثاني 1430   العدد  13343
كيف نجعل الحب أكسجين الحياة
إبراهيم ناصر المعطش

 

لاينحصر مفهوم الحب في جانبه العاطفي تجاه الجنس الآخر، فمدلوله أعمق من ذلك وأبعاده تحيط بمجمل أطراف الحياة، وتطوقها باللين والجمال والألق السحري فكيف نجعل هذا السر يسري في مسارب حياتنا، ويغذي أوردتها وشرايينها بكافة جوانبها، وكيف ننثر ثقافة الحب على من حولنا لتكون سلوكاً تلقائياً للجميع، وتنفح أريجها في مساحات رحبة أينما وجدت الحياة؟

حينما نمارس الحب على مستوى الحياة، نترك نوافذ قلوبنا مشرعة لمداخل أنسام الفرح من الآخرين، ونطلق أشرعة قواربها لتمخر عباب بحر الحياة تمنح الحب والأمل والرقة والحنان بلا مقابل، تداعب النسمات الرقيقة، والأنجم البعيدة، وتمازح عنان السماء زهواً ورفعة وسمواً، من يحب نفسه (في إطار عشق الحب) ليس أنانياً كما كان يقال لنا بمفهوم فلسفة (أرنبة الأنف) ولكن إذا أحب المرء نفسه لينقذها من الشهوات والمهالك، ويحفظها من أذى الآخرين، ويرحمها من الاذلال، فهو إنسان سوي - ولاشك - لأن ذلك ارتقاء بها وانتصار حقيقي لها وعليها، ومن هنا ينطلق الحب الواسع.

فلنجعل صدورنا ملاذاً لكل من يبحث عن السعادة ودفء الحياة والوئام، فالحب ليس تبادلاً للمشاعر بين شخصين وحسب، بل يمثل رسالة قوية تخترق الحجب، وتختصر المسافات دون أن تكلف صاحبها شيئاً، فمن جعل الحب عنوان حياته عاش سعيداً، فالأمل الجميل والتفاؤل نوع من الحب، وفرحة الإنسان بما يصيب الآخرين من خير، ورؤية البسمة أعلى شفاههم هو حب حتى لو لم يكن صاحبه يدرك ذلك.

الإخلاص في العمل نوع من الحب والسلام الداخلي، وإخلاص الفرد لكل مرحلة من مراحل عمره دليل على وجود الحب بين حناياه، فالطفل المرح يملك قلباً محباً ونفساً متوازنة، والشاب الطموح لديه ذات المشاعر والخصائص، وكذلك الكهل الوقور لديه مشاعر الصدق والاخلاص والحب، الشرف أيضاً قرين الإخلاص والحب، حيث نجد الشخص الشريف في يده ولسانه وسمعته محباً لنفسه ولأهله وللآخرين.

حب الأوطان دليل صفاء النفوس وتوازنها وخلوها من العقد والشوائب، فاحترامنا لمشاعر الآخرين فن من فنون السلوك الإنساني، يحمل في طياته قيم ومعاني الحب الرفيع، وما نحب أن يعاملنا به الآخرون يجب أن يسود علاقتنا بهم، وهذا نوع من الحب الصادق تجاه النفس والآخر. فالمشاعر المنسابة تعايشاً وسلاماً ونصحاً واحتراماً وثقة هي من صميم دلالات الحب، فقلوب الآخرين لا يمكن حيازتها والتأثير عليها بالمال أو القوة، وإن حدث ذلك فلا شك سيزول بزوال المؤثر، لكن يمكن أن نحوز عليها بالمشاعر الإنسانية النبيلة وتنمية الود، وتبادل الخير والحرص على القيام بواجب المجاملة في السراء والضراء دون أن نميز بين الناس في الصفات التي تشكل فوارق طبيعية ليست لديهم قدرة على تغييرها، فهذا السلوك يمثل نوعاً من الاستثمار في الحب وتنميته بين الناس ليكون سلوكاً يحكم تفاصيل الحياة وأكسجيناً يغذي أنسجتها وخلاياها الحية.

تنعكس مظاهر الحب (بالمفهوم الذي يشكل الحياة) من خلال تحمل الخطأ غير المتعمد، والصبر على الخسارة (خصوصاً المادية) والمسامحة في الزلات أو غض الطرف عن الاساءة البسيطة غير المقصودة، فهذه السلوكيات تحمل رسائل قوية بتكريس قيم الحب لدى مجموع البشر أو المحيط الاجتماعي الذي نعيش فيه. وهناك بعض التصرفات والسلوكيات السهلة البسيطة يمكن أن تنثر عبق الحب بين الناس بدرجة عالية تقود إلى سيادته في منهج الحياة، منها على سبيل المثال التبسم في وجه الآخرين، وإلقاء السلام، والسؤال عن أحوالهم وأحوال ذويهم، والتفاعل مع اهتماماتهم ومناسباتهم العزيزة لديهم، وكذلك الإنصات لحديثهم وتقدير مشاعرهم والثناء على ما يبذلون من خير والدفاع عن الاشياء الوجدانية لديهم خصوصاً أمام الآخرين حيث تجد لذلك وقعاً طيباً على نفوسهم مما يغرس الحب لديهم، ليس ذلك من باب النفاق ولكن من قبيل إدخال السرور إلى نفوسهم ومن ثم اشاعة الحب ونفحاته بين جوانحهم ليعم عبقه الآخرين. صفوة القول ما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه) أو كما جاء في الحديث الشريف فالرفق هو أساس المحبة، الرفق في التعامل مع الآخرين ابتداء من الأسرة والزملاء والجيران والمارة في الطريق، الرفق في القيادة وفي معالجة الأمور وفي النصح وفي التعليم والتربية وفي تعامل من يكونون في مواجهة الجمهور فهو يكشف مخزون الحب لديك.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد