Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/04/2009 G Issue 13352
الأحد 23 ربيع الثاني 1430   العدد  13352
 
المنشود
(فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم)
رقية سليمان الهويريني

 

إذا تأملتَ في إرهاصات المشاكل وتداعياتها وجدت أنها تبدأ صغيرة وما تلبث أن تكبر، فتتسع دائرة الخلاف وتتحول إلى جدال عقيم لا يولِّد إلا جراحا غائرة.

وفي قصة يوسف عليه السلام وما ابتلاه الله به من حسد إخوته وغيرتهم منه، نجد موقفه من الحدث الرئيس وما تبعه من أحداثٍ لم يتغير،حيث كان الصمت والصبر هما سيدا الدفاع! فهو لم يشْكُ لوالده قط من جور إخوانه وشعوره بكرههم له، أو تآمرهم عليه بل كان صامتاً أمام ذلك إلا حين رأى في منامه الرؤيا التي استشعرها والده، وأدرك أبعادها،ولكنه لم يستطع أن يرد عنه القدر،واكتفى بتحذيره من قص رؤياه على إخوته!

ولا ريب أن الصبي قد لمس خوف والده وتحذيره، ولكنه لم يتكلم أو يناقشه ولم يطلب تفسيراً حاضراً،مع إدراكه أن والده نبي.ولا غرو أنه كان يعلم تميزه على إخوانه ومشاعر أبيه تجاهه.

وفي سيرته عليه السلام ما يستوقفنا لدرجة التفكر والتأمل حين ظل صامتاً وهو يباع ويشترى كالعبيد برغم أنه ابن النبي يعقوب.وفي هذا الوضع البائس لم يقاوم أو يجادل بل أذعن! حتى ساقه القدر إلى بيت عزيز مصر الذي أُعجب بجماله فاتخذه ولداً.ولم تمهله الأحداث فأُودع السجن بظروف غامضة وبدعوى كاذبة من سيدة القصر التي لا يرد كلامها ولا يُطعن في اتهامها! ولم تكن لديه أسرة تدفع عنه ضير الظلم وقسوة الاتهام!

ولو أمعنا النظر في قضيته مع زوجة العزيز لوجدنا أن دخوله السجن كان بسبب كلامه ورفضه الدعوة للقيام بعمل سيئ فكان جزاؤه السجن!وهو أمر يستوجب الكلام حتى ولو كانت تلك نتيجته!

وتتوالى سياق الأحداث لتقف عند إخوة يوسف حين ثبت اتهام أخيهم الأصغر بالسرقة فلم يصمتوا وهم يرون دلائل السرقة،بل زادوا في الإيلام عندما قالوا:(إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) فلم يفتؤوا يذكرون أخاهم يوسف بالسوء وقد ترفعوا أن يكون لهم أخٌ سارق! وبرغم علم يوسف عليه السلام أنه المقصود وهو السلطان الحاكم ولا تكاد تخرج الهبات والمساعدات إلا من تحت يده بيد أنه كعادته لم يتكلم،ولم يدافع،ولم يجادلهم أو يرد عليهم، بل أسرها في نفسه ولم يبدها لهم!

ولو اتخذنا هذا النهج في حياتنا عند الخصومة ولاسيما في حالات الظلم والبغي والاضطهاد، وجعلنا الصمت سيد الدفاع؛ لكان كافياً لإيقاف تدفق شلال العنف، ورد طوفان الاعتداء، وتسكين زلزال الإيذاء،وسد فيضان الحقد والحسد!

ومن أراد أن يحفظ عليه دينه ويُبقي عليه عقله؛ فليحافظ على رباطة جأشه، وليصن لسانه، ويمسك زمام الصمت، ويلجم هوى الرغبة في الكلام ولو توفرت الحجة لِدَحْض الشبهة.فما وجدت مثل الصمت محامياً ماهراً دون أن يخسرك شيئاً،فإنك إن جادلتَ بليغاً غلبك، وإن جادلك سفيه آذاك، بينما للصمت الجميل ضجيج يطحن عظام من أمامك قهراً حين يعتبره هجوماً مستتراً، فتسيطر عليه.فالصمت يمنحك الطاقة القوية للتفكير بهدوء والتركيز بعمق!

rogaia143 @hotmail.Com
ص. ب260564 الرياض11342




لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6840 ثم إلى الكود 82244
التعليق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد