Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/04/2009 G Issue 13352
الأحد 23 ربيع الثاني 1430   العدد  13352
 
جرأة الأمل من أجل فلسطين
كيشور محبوباني

 

في هذا العام سوف تخيم سحابة داكنة من الغم والهم على العالم، حيث ستتخبط مؤسسات الاقتصاد وتسقط الحكومات وتفلس الشركات. ولكن الخطر الأعظم على الإطلاق يتلخص في الإحساس باليأس والعجز. ولمنع هذه النتيجة فإن الأمر يتطلب حل مشكلة ضخمة ومستعصية. وإتمام جولة الدوحة من محادثات التجارة العالمية من شأنه أن يوفر مثل هذه الفرصة. ولكن الفرصة الأفضل يوفرها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

من الواضح أن العديد من الناس في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في الغرب، أقنعوا أنفسهم بأن هذا الصراع غير قابل للحل. فمنذ اتفاقيات أوسلو الشهيرة في عام 1993م بُذِلَت جهود عديدة وباءت جميعها بالفشل. ولكن قِلة من الناس لاحظوا ظهور مجموعة غير عادية من القوى الناشئة، التي أتاحت فرصة جديدة ملموسة لحل هذه القضية. إن مثل هذه الفرص الجغرافية السياسية نادرة، وإنها لمأساة كبرى ألا ننتهز هذه الفرصة السانحة الآن.

كبداية، هناك إجماع شبه عالمي على أن الحل سوف يستند إلى اتفاقات طابا التي ساعد الرئيس بِل كلينتون في التوصل إليها في شهر يناير - كانون الثاني 2001م. ولقد صرح لي دبلوماسيون فلسطينيون باستعدادهم لقبول هذه المجموعة من الاتفاقات.

وعلى نفس القدر من الأهمية، هناك الآن إجماع شبه كامل بين كافة الدول العربية على أن التسوية السلمية تصب في مصلحتها. والعديد من هذه البلدان، بما فيها مصر والمملكة العربية السعودية، أصبحت أكثر انزعاجاً إزاء صعود إيران. والتوصل إلى اتفاق سلمي مع إسرائيل من شأنه أن يعزز من مركز هذه البلدان في التعامل مع إيران وحرمان الحكومة الإيرانية من أي فرصة لتحريك المشاعر العربية الشعبية ضد موقف الحكومات العربية من فلسطين. السؤال الأكبر هنا هو ما إذا كانت إسرائيل مستعدة للانخراط في هذه العملية. ولكن على الرغم من الوضع السياسي الصعب في إسرائيل، فهناك إجماع متزايد بين أهل النخبة في إسرائيل على أن الوقت لم يعد في مصلحة إسرائيل.

وقد يكون من العوامل المساعدة أيضا أن السياسة الخارجية الإسرائيلية أصبحت الآن تُدار بمعرفة اثنين من المتشددين، بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان. وتماماً كما تَطلَّبَت التسوية بين الولايات المتحدة والصين ذهاب رئيس مثل ريتشارد نيكسون إلى بكين، فإن الأمر سوف يحتاج إلى رجل مثل نتنياهو قادر على فرض التسوية السلمية التي ستتطلب انسحاب إسرائيل من أغلب مستوطناتها في الضفة الغربية.

عندما زرت إسرائيل في عام 1997م، التقيت برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو آنذاك، والذي كنت زميلاً له حين خدمنا كسفيرين لبلدينا إلى الأمم المتحدة. ولن أنسى أبداً ما قاله لي: (كيشور، دعك من القصص الإعلامية، أنا في جانب السلام). والائتلاف الواسع أيضا، والذي يضم ليبرمان وإيهود باراك، يجعل السلام أكثر ترجيحاً.

إن أي تسوية سلمية تتطلب وسيطاً قوياً، ومما يدعو إلى التفاؤل أن نرى الآن مرشحاً قوياً لهذه المهمة في شخص هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة. والحقيقة أن وزيري الخارجية اللذين سبقاها، كولين باول وكونداليزا رايس، كانا يفتقران إلى المؤهل الأكثر أهمية للاضطلاع بهذه الوظيفة والذي تمتع هيلاري، ألا وهو ثقة الجانبين.

إن علاقتي بهيلاري كلينتون لا تتجاوز المصافحة باليد مرة واحدة، وكان ذلك في صباح يوم أحد في معبد يهودي صغير في نيويورك منذ عدة أعوام. ولقد تعجبت آنذاك كيف لمعبد صغير كهذا أن يضم نائبي نيويورك هيلاري كلينتون وتشارلز شومر، وعدد كبير من أعضاء الكونجرس الأميركي لحضور مأدبة إفطار مبكر. ولقد رأيت بوضوح كيف تتمتع هيلاري كلينتون بثقة المجتمع اليهودي وهو المؤهل الضروري الذي لابد وأن يتمتع به أي وسيط في الشرق الأوسط.

كما أظهرت هيلاري كلينتون براعتها الدبلوماسية حين زارت المنطقة في مارس - آذار 2009م. حيث أكدت على التزامها بأمن إسرائيل، وأعربت عن اهتمامها بشأن المحنة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة. والحقيقة أن براعتها هذه لم تأت من فراغ، فقد دَرَس زوجها بِل كلينتون مشكلة الشرق الأوسط باستفاضة، الأمر الذي انعكس على نوعية اقتراح السلام الذي طرحه.

لا شك أن النظر إلى عمل هيلاري كلينتون باعتباره مكملاً للعمل الذي بدأه زوجها في المنطقة سوف يكون من بين العوامل المحفزة الرئيسية. ذلك أن مثل هذه الاعتبارات الشخصية كثيراً ما تشكل أهمية كبرى. ولا شك أيضا أن نجاح هيلاري في الوساطة للتوصل إلى حل قائم على دولتين من شأنه أن يجعلها مرشحة رئيسية لنيل جائزة نوبل للسلام.

سوف يكون التوصل إلى مثل هذه النتيجة موضع إعجاب وتقدير في العالم كله. إن قِلة من الأميركيين يدركون أن العولمة السريعة للعالم الإسلامي أدت إلى نشوء شبكة سياسية تربط بين 1,3 مليار مسلم حول بعض القضايا الرئيسية. ولقد أدى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى عواقب سياسية سلبية تنتشر تواً إلى كل ركن من أركان العالم الإسلامي.

لقد ساعد انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة وشعبيته الطبيعية في العالم الإسلامي في الحد من بعض هذه الانعكاسات السلبية. وإذا ما اجتمع هذا بالتوصل إلى تسوية سلمية، فلسوف يشهد العالم دفعة أمل فجائية قادرة على تبديد غيوم الكآبة المخيمة عليه اليوم. والحقيقة أن جرأة الأمل هي أكثر ما يحتاج إليه العالم اليوم.

كيشور محبوباني عميد كلية لي كوان يو للسياسة العامة بجامعة سنغافورة الوطنية. وأحدث مؤلفاته كتاب بعنوان (نصف الكرة الأرضية الآسيوي: التحول الحتمي للقوة العالمية نحو الشرق).

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009
www.project-syndicate.org
خاص «الجزيرة»


التعليق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد