Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/04/2009 G Issue 13352
الأحد 23 ربيع الثاني 1430   العدد  13352
 
الأمير نايف... رجل المهمة الصعبة
فهد حمدان العبيري *

 

نايف بن عبدالعزيز.. هكذا دون مقدمات.. يكفي ليُعرف بشخصية مثيرة للجدل في ثباتها لأكثر من ثلاثة عقود.. وكلمة سر لهذه الشخصية الأمنية العربية المتوازنة، لم تهزها كل التحولات المفتعلة داخلية كانت أم خارجية، بعد أن أدركت فرديتها وقصر نظر من يقف خلفها.

اسمه.. لم يكن مجرد علامة خدمة مسجلة في حماية الأمن الداخلي فقط، بل منهجاً قابلاً للتطبيق يبعث في الجيل القادم دافعاً نحو تحقيق أحلامهم في بيئة يحدوها الأمان. صنع للشخصية الأمنية السعودية تميزاً، تطورت مع المستجدات بشكل تدريجي ومنظم، تسلل نموذجها في شكل محاكاة ومنهجاً إلى أغلب الأكاديميات العسكرية في إقليمنا العربي وربما أبعد من ذلك. وهو يمثل نموذجاً حقيقياً للشخصية السعودية القادمة، كفكر متجذر يتجدد، وفي تموقعه بمهارة على مسافة واحدة من الجميع، وفي موقفه من القضايا الداخلية بتوازن حاد قلَّ من يجيده. لم تتماه تلك الشخصية مع الضغوط على حساب أمن الوطن وطموحات مجتمعه.. ولم تهزه رياح نفخها البعض للتأثير على وطنه أولئك الذين برروا سمومها بمقتضيات المرحلة وكذبة التغيرات.

لقد أيقن وقبل تلك العقود بأن الأمن الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الدول، والفطرة البشرية التي طوعت المجتمع للالتحام بقائده في عقد اجتماعي فريد لم يتكرر في تاريخ العصر الحديث. أدرك بذكائه الذي عرف به بين أوساط المجتمع السعودي أن الدين والأمن متلازمان وكانا عنواناً للبنة الأولى التي وضعها صاحب أطول رؤية في التاريخ السياسي المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تلك الرؤية التي كان أول خطوة فيها مئة عام من التقدم والازدهار, ومن الثبات والتطلع بأمل للقادم، وبشعار لم يتزعزع يمثله (سيف) العدل و(نخلة) التنمية، بعيداً عن التحزب ومغامرات العسكر، التي مزقت العالم وجعلت من مفهوم الدولة أضحوكة.

يختلف الأمير نايف بأن الإدارة عنده تشبه القدرة على السير فوق الحبال مع النظر للأعلى، لم يشعر أحد يوماً أنه يهاب اللهيب الذي يكتنف تلك الحبال المهترئة، بل حولها بقدرة قيادية فذة إلى شعاع يضيء له المسير. كان تشريفاً للأمير ولرجاله المخلصين ومن منطلق المسؤولية أن يكونوا العين لأطهر بقاع الأرض، من الحدود إلى الأزقة، ومن السهول إلى الفضاء، وبكل ما يحمله الأثير من غثاء.

وبأسلوب القائد الوطني الذي يدرك معنى الوطن، تحمل طيلة عمله وما زال عبء الكثير من أخطاء المؤسسات الحكومية الأخرى - وربما سوء مخرجاتها - من خلال إشرافه المباشر على إمارات المناطق والحكام الإداريين بها، وأضيف عبء على مسؤولياته بحجم حكومة، ولم يجزع يوماً أو يوجه انتقاداً واحداً لتلك الجهات. وفي جانب آخر كان تجاوبه سريعاً وفعالاً ومؤثراً في مواجهة أزمة البطالة آنذاك وقادها بكل حكمة واقتدار. وأصبح يوم المهنة عنواناً بارزاً ودعوة مستمرة للاهتمام بالبحث عن حلول لها وطرق لإدارتها.

لقد كان للأمير الكثير من المواقف الاجتماعية المشرفة التي يتداولها المواطنون السعوديون، أزاحت عنهم عبء المجازفة، وتبعات القفز على الحواجز التي حاول البعض أن يفرضها بغض النظر عن آثارها الأخرى، ومتجاهلين الحاجة للتدرج الطبيعي في التحول الاجتماعي. فلم تكن وزارة الداخلية عاجزة في أي يوم من الأيام على القيام بمهمة حفظ السلوك العام, ولكن الأمير بقي ثابتاً في موقفه ودعمه لجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كان يدرك بحنكته أن الثورة التقنية المتسارعة، والتقارب العالمي، لابد أن يصاحبه ضبط للأخلاق العامة وصيانة لمعتقدات المجتمع وثقافته، وهو ديدن كل الأمم والحضارات في المحافظة على معتقداتها وإرثها الحضاري. وأيقن بخبرته العريقة بأن المشكلة لم تكن يوماً في الهدف الأسمى لهذا العمل، بل ربما الطريقة والأسلوب، وكان حضورها في الوقت المناسب. وفي ما أثير حول رغبة فئة محدودة بالسماح للمرأة بقيادة السيارات أوجز الأمر بموقفه العلاقة التي تربط المسؤول بمجتمعه، ورفض تعميم آراء فئة محدودة وفرضها، وألجمهم بديمقراطية يدعونها، مستنداً على رغبة الغالبية ومعتبرها حكماً في مثل هذه المسائل، وكان درساً في المسؤولية التشاركية أجمع عليه الجميع.

وفي حين تشابهت الأمور على الكثير، دولاً ومؤسسات، فهم الأمير الرسالة مبكراً، ولم يكن (متطرفاً أو مفرطاً) في تعريفه لمفهوم الإرهاب ومنابعه، فبرغم نجاحه الباهر الذي شهد له العالم في القضاء على تلك الآفة أمنياً وإعلامياً، وبرغم الخطر الذي كان يحدق بالأمة، وبرغم صرخات العالم وتحذيرهم من إسلام سياسي وتارة فاشي، حافظ الأمير على النهج والمبدأ، وكان أكثر راعياً للنشاطات الإسلامية، وراعياً لحفظة كتاب الله، ومشجعاً للبحوث الإسلامية وداعماً لها، ومؤسساً للكثير من الكراسي الأكاديمية العالمية التي تعنى بالشأن الثقافي الإسلامي، ويؤكد باستمرار على المشروعية الرسمية لعمل هيئة الأمر بالمعروف، فضلاً عن علاقته الواضحة بالعلماء وتكريمهم مع اختلاف مواقفهم، وكان نهجاً إيجابياً ومؤثراً فاعلاً غير مباشر في كشف أهداف تلك الفئة وتعريتها أمام المجتمع.

لم يكن نجاح الأمير نايف بعيداً عن المحك الرئيس الذي يعتبره الإعلام العالمي ومن خلفه اختباراً حقيقياً ومعياراً ثابتاً على قدرته وجهازه على إدارة ملايين الحشود في زمان ومكان واحد لا يضاهيه حشد على مستوى العالم، والذي يتمثل في ضيوف الرحمن وأدائهم لمناسك الحج. فبرغم اتحادهم عقائدياً إلا أنهم يتوافدون (سنوياً) من مشارب فكرية متعددة، وربما بأهداف سياسية موجهة، وهي تمثل طيفاً واسعاً يعكس الواقع العالمي الحالي بكل تقلباته. وهو بلا شك عمل أمني وتنظيمي جبار أدهش العالم.

لقد كانت التحولات العالمية، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر دليلاً على نجاح فكره الأمني الفريد, وصدق فلسفته الأمنية التي كانت محط أنظار الكثير من الأنظمة الإقليمية والعالمية (حتى وإن لم يوثقوا صراحة هذا التبني)، والتي وجدت نفسها وسط فوضى من التناقضات الداخلية بسبب ما تبنته لنفسها من ثقافات معلبة ومستوردة بداعي التقدم والمدنية أفقدتها القدرة على القيادة والسيطرة على إدارة صراعاتها، مما دعاها إلى سرعة البحث عن إستراتيجيات أمنية حديثة.

اليوم بخبرة عريقة في العمل الحكومي المباشر، وضع خلاله نموذجاً مشرفاً للمؤسسة الحكومية.. وفكراً أمنياً عالمياً يواكب كل مرحلة. يتقدمنا الأمير نايف ونتقدم به نحو فضاء وطني أرحب وبمسؤولية وطنية أعلى وأكبر، بعلو مكانته وبحجم تاريخه القيادي المشرف. اليوم.. يتطلع المجتمع السعودي بكل أطيافه إلى مرحلة جديدة في ثقافة الأداء، والى إصلاح إداري قادم ومفهوم جديد في تقديم الخدمات الحكومية، وتطويرها وتفعيل الأسلوب النظمي والتكاملي في عمل الأجهزة الحكومية، وتجسيد شعار المسؤولية الاجتماعية والوطنية قولاً وعملاً، يماثل ما تحقق من إنجاز في المؤسسة الأمنية.

* باحث إداري
fahadalebairi@yahoo. Com


التعليق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد