Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/04/2009 G Issue 13352
الأحد 23 ربيع الثاني 1430   العدد  13352
 
الشيخ تركي بن خالد السديري.. تواضع الواثقين
د. عثمان بن عبدالعزيز المنيع

 

قبل عدة سنين عُرض على ابن العم الشيخ إبراهيم الناصر مرافقته لمجلس معالي الشيخ تركي بن خالد السديري الرئيس السابق لهيئة حقوق الإنسان وقبلها رئيس ديوان الخدمة المدنية، ولظروف خاصة لم أتمكن حينها من الحضور معه، وحينما انتقل عملي مديراً لمكتب الحرس الوطني بالقاهرة، تشرفت بمعرفة معالي السفير السعودي هناك الأستاذ إبراهيم السعد البراهيم، والعمل تحت رئاسته.

وفي إحدى المناسبات التي كنا نلتقي فيها بدعوة شخصية من معالي السفير، وكان الضيف الذي كانت الدعوة على شرفه هو معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ. وفي أثناء تجاذب أطراف الحديث بين معالي السفير وبيني قبل وصول الضيف، جاء ذكر معالي الشيخ تركي بن خالد السديري، وحدثني معالي السفير عن معالي الشيخ تركي، وسألني عن معرفتي الشخصية له.. فقلت لا أعرفه شخصياً.. فقال أنصحك بالتعرف عليه، فهو شخصية يندر مثلها في وقتنا الحاضر.

وأثناء وجودي بالرياض وفي زيارتي لمجلس معالي الدكتور محمد الأحمد الرشيد بعد صلاة المغرب، وكان بجواري أخي وصديقي الأستاذ عبدالرحمن العليق المشرف على مركز الملك فهد الثقافي وأخبرني أنه سيقوم بزيارة (أبي زياد) تركي بن خالد السديري.. وعرض عليّ مرافقته. وكأنه يُدرك أنها رغبة أفكر في تحقيقها، وذهبنا في سيارته، وقابلت الشيخ تركي للمرة الأولى في منزله العامر، وتم التعارف وشعرت وكأنني ضيفه الأهم في مجلسه وبعد صلاة العشاء أصر على تناول العشاء معه قائلاً: (إنها زيارتك الأولى فالعذر غير مقبول). وبعد هذه الزيارة حرصت على زيارته كل سبت تسنح لي فيه الفرصة في مجلسه الذي يضم جمعاً نخبوياً من أصحاب السمو والفضيلة والمعالي من بعد صلاة المغرب وحتى العاشرة أو الحادية عشرة مساءً.

بعد زيارتي أكثر من مرة عرفت أن كل من في المجلس يشعر بالشعور نفسه مهما كان، فأبو زياد يشعره كما يشعر غيره بأن زيارته مقدرة، وعرفت سر امتلاء مجلسه، الذي يبدأ في الاستقبال بعد صلاة المغرب حتى وقت متأخر من الليل، بعضهم يمكث دقائق وبعضهم الآخر ساعات.

لن أكتب عن الجانب الإداري في تاريخ أبي زياد، فقد سمعت عنه وسمع عنه الجميع ولكن سأكتب عن الجانب الذي عرفته عن معاليه خلال تشرفي بالعمل معه عضواً في مجلس هيئة حقوق الإنسان، وتكليفه لي بالإشراف على مركز النشر والإعلام بالهيئة، والذي عدّه معاليه حجر الزاوية في نشاطات الهيئة، حيث يقوم بنشر ثقافة حقوق الإنسان وأهمية الوعي بها وضرورة نشرها بين أفراد المجتمع بجميع فئاته، وغير ذلك من المهام التي يضطلع بها المركز من خلال تنظيم الهيئة.

من خلال هذا الإشراف كنت التقي معاليه شخصياً أحياناً أكثر من مرة في اليوم.. كان مكتبه مفتوحاً للجميع كنت أحياناً أنتظر في مكتبه بعض الدقائق لاتصال مواطن أو مقيم أو مواطنة أو مقيمة تطلب من معاليه شخصياً مساعدتها، ولن أذيع سراً حين أقول بكل صدق إنه كان يدفع من جيبه بما تسمح به ظروفه لمساعدة المحتاجين الذين يلجؤون لحقوق الإنسان، وهنا نُدرك سر إصرار بعضهم من المراجعين على مراجعته ولقائه شخصياً دون غيره من المسؤولين لما يجدونه من تواضع فطري وصدق وجدية في التعامل مع الجميع من دون استثناء وإنسانية متسامية متفانية في خدمة الجميع تندر في هذا الزمان - كما وصفه بذلك معالي السفير كما ذكرت في أول حديثي - لا غرابة في ذلك انه (طبع معاليه)، وهو تواضع الواثقين الذي يرفعهم به الله سبحانه.

أحسبه ولا أزكي على الله أحداً من أولئك الذين سخرهم الله لتقضي حوائج عباده على أيديهم.

لقد غادرنا الشيخ تركي بن خالد السديري بعد أن أسس هيئة حقوق الإنسان وترك بصمة واضحة جلية تحسب لمعاليه، ومن حسن حظ الهيئة أن الذي خلف الشيخ تركي هو معالي الدكتور بندر بن محمد العيبان الذي يشبهه في الكثير من الصفات، أقول ذلك بعيداً عن المجاملة أو المبالغة، ونحن ندعو الله عز وجل أن يوفقه لما فيه الخير لخدمة هذا المرفق الحيوي المهم، الذي كان للشيخ تركي فضل وضع لبناته الأولى بمساعدة بقية الزملاء أعضاء مجلس الهيئة ومنسوبي الهيئة الذين كانوا متساوين في نظر الشيخ تركي لهم، لما يلقاه كل منهم من بشاشة حسن استقبال مهما كانت وظيفته، وقد كان ذلك يظهر جلياً في حفلات المعايدة التي لا يتأخر عنها أحد حتى من انتهت علاقتهم بالهيئة وفاءً لهذا الرجل.

وها هي الهيئة ترد الوفاء لصاحب الوفاء، بما ستقيمه من حفل تكريم فيه معاليه اعترافاً له بالجهود التي بذلها خلال فترة عمله في الهيئة، أخاً للكبير وأباً للصغير، إنساناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة. ولعلي أسترجع في هذا المقام تلك العبارة الرائعة التي سطرها في إحدى كلمات رسالة الهيئة في نشرة الحقوق التي تدل على إنسانيته عندما قال: (قد يعتقد بعضهم - حتى من يعملون في الهيئة - ان هذا الكيان الجديد بثقافته ومصطلحاته لا يعدو كونه إدارة حكومية مثل بقية الأجهزة الحكومية الأخرى، وفي الحقيقة أن هذا الاعتقاد بعيدٌ كل البعد عن المفهوم الحقيقي الذي يجب أن يعيه كل من يتعامل مع هذا الجهاز أو يعمل فيه.. فهذا النشاط في حقيقته فكر وثقافة وميل واهتمام ومشاعر وأحاسيس قبل أن يكون أي شيء آخر.. فمن لا تتوفر فيه جميع هذه المفردات من معانٍ ملموسة وإيمان راسخ في أعماق وجدانه فلا يحسن به العمل في هذا المجال، والأفضل له الابتعاد عن هذا النشاط).

- عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان- المشرف على مركز النشر والإعلام


التعليق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد