Al Jazirah NewsPaper Tuesday  21/04/2009 G Issue 13354
الثلاثاء 25 ربيع الثاني 1430   العدد  13354
نحر البنات.. وحرق الأمهات!!
قبلان محمد القبلان

 

كنا نظن أنّ العصر الجاهلي قد ولى، فإذا هو تجلى بأبشع صوره وأشنع صفاته .. كانت العرب تئد البنات وتدسها في التراب خشية العار .. ويطوي الزمان تلك الصفحة المظلمة من تاريخ البشر ليستيقظ الناس هذه الأيام على صور أبشع وأحلك ظلماً وأكثر إيلاماً.

فقبل فترة قريبة أقدم شاب في العشرين من عمره على قتل والدته وحرقها أن سكب عليها كمية من البنزين ثم أشعل فيها النيران وتركها تحترق في شقتها، وقد عثر عليها رجال (الدفاع المدني) متفحمة وبجوارها خزان صغير مملوء بالبنزين، وبعد التحريات تبين أنّ ابنها هو من قام بحرقها وذلك بعد ضربها بمطرقة كبيرة على رأسها ثم سكب البنزين عليها وأشعل النيران فيها.

وفي منتصف العام الماضي أيضاً يقدم سفاح على تسميم أبنائه الثمانية بعصير ممزوج بمبيد حشري قاتل، فيموت خمسة وينقل ثلاثة للمستشفى وهم في حالة حرجة، روت (عهود) التي نجت من الكارثة المروعة المشهد المأساوي فقالت: أيقظنا أبي من النوم وأجبرنا على تناول كوبين من العصير فامتثل إخوتي للأوامر بينما شربت أنا كوباً واحداً، وشعرت بألم شديد في معدتي فوضعت أصابعي في فمي لكي أتقيأ، ثم فوجئت بأشقائي الصغار قد أصيبوا بحالة هستيرية بعد تناول العصير، فقام كل واحد منهم يضرب رأسه بالآخر أو بالحائط لشدة الألم وسط صراخ وعويل ... ثم تساقط الأبناء في دقائق معدودة جثثاً هامدة وسط المنزل، وتبين فيما بعد أنّ السم أدى إلى هبوط حاد في الدم وتهتك بالمريء والرئة والقصبة الهوائية، فضلاً عن حالة الاختناق وعدم القدرة على التنفس .. وتأتي هذه الفاجعة بعد فترة وجيزة من جرائم مماثلة، حيث قام مواطن بنفس الشهر وبعد عودته من الحج بنحر ابنته (أسماء) 13 عاماً، أمام أشقائها الأربعة، وذلك لمخالفتها لتوجيهاته، على حد قوله. ووصف أحد إخوتها المشهد فقال: (جاءها أبي فقال لها: تشهدي!!! فردت ببراءة (يبه ليش؟!) فاستل النذل سكيناً ووضعها على رقبتها وهي تظن أنه يمزح فقالت: (يبه .. رقبتي توجعني .. الدم يطلع يبه .. يبه السكين تذبحني ..) والمجرم يرد عليها: (تشهدي راح تروحين الجنة!!) وما هي إلا لحظات حتى فاضت روحها الطاهرة بعد أن خفت صوتها وانقطع نفسها.

وفي نفس العام .. أقدم مواطن على قتل زوجته واثنين من أبنائه. وقد ذهب بهم إلى المقبرة، وبعد تنفيذ جريمته خطف ثلاثاً من بناته ثم ألقي القبض عليه في اليوم التالي.

لقد عاد بنا هؤلاء للجاهلية الأولى، وقد ذكر الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} (140) سورة الأنعام، وذكر قصة مؤثرة فقال: إنّ رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: كان لا يزال مغتماً بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: مالك تكون محزوناً؟ فقال: يا رسول الله إني أذنبت في الجاهلية ذنباً فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت! فقال له: أخبرني عن ذنبك. فقال: يا رسول الله إني كنت من الذين يقتلون بناتهم، فولدت لي بنت فتشفعت إليّ امرأتي أن أتركها، فتركتها حتى كبرت، وأدركت وصارت من أجمل النساء فخطبوها، فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها، وأتركها في البيت بغير زوج، فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب لزيارة أقربائي فابعثيها معي، فسرت بذلك، وزيّنتها بالحلي والثياب، وأخذت عليّ المواثيق بألاّ أخونها، فذهبت بها إلى رأس بئر، فنظرت في البئر، ففطنت بنيّتي بأني أريد أن ألقيها في البئر، فالتزمتني وجعلت تبكي فرحمتها، ثم نظرت في البئر فدخلت عليّ الحمية حتى غلبني الشيطان، فألقيتها في البئر منكوسة، ومكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت.

فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقال: (لو أمرت أن أعاقب أحداً بما فعل في الجاهلية لعاقبتك!) وسيسأل رب العزة هذه المسكينة الضعيفة وأمثالها يوم القيامة {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} فإذا كان المظلوم سيسأل، فكيف بالظالم؟!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد