هل يُمكن التصور أن كل أسبوعين يحدث خطأ طبي في إحدى مؤسسات الخدمة الطبية والعلاجية سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، وبناءً عليه يقع ما بين 2 - 3 حالات شهرياً أي 24 - 30 حالة سنوياً فماذا يكون التصور العام إذا وضعنا في حسابنا نسبة زيادة السكان..؟
لم نتكلم عن هذه المشكلة من قبل (مشكلة الأخطاء الطبية على الرغم من وجودها لكنها زادت في الفترة الأخيرة بصورة كبيرة، وما زالت مستمرة، مما يجعلنا نرى الرأي العام المطلع مأخوذاً - إلى حد ما- حيث يسمع بين فينة وأخرى أن طبيباً نسي مقصاً أو منشفة في أحشاء مريض ومن بتر لمريض ساقاً وكان يمكن علاجها والصبر عليها، ومن وضع ضماداً على عين مريض ونسيه إلى أن ظل فترة أطول من اللازم مما تسبب معه في ضعف الرؤية لدى المريض نتيجة تأثر العصب البصري، وممرضة أهملت في غيار مريضة مصابة بحرق في ذراعها، دون متابعة من الطبيب (ضعف إشراف = إهمال)، وصيدلانية بأحد المراكز الصحية صرفت دواءً مخالفاً لما هو مدون بالوصفة الطبية التي حررها الطبيب مما تسبب في مضاعفات (ورم بالقدم) ظل يعاني منه المريض فترة من الوقت، وطبيب أسنان خلع ضرساً لمريض وترك أحد الجذور كان من جرائه إجراء جراحة بفم المريض.. كثير من وقائع الأخطاء الطبية نسمعها إلا أنه في الحقيقة ما زالت تُعد حالات فردية لا نستطيع تعميمها -بأي حال- ولا نستطيع الحديث عنها إجمالاً، لأن معظم الأطباء لدينا على جانب كبير من المهارة والجودة الفائقة في العمل والإتقان وذوي سمعة طيبة وذاع صيتهم في معظم البلاد العربية والبعض منهم معروف عالمياً ويحتلون مواقع الصدارة علمياً وبعضهم يعمل بإعزاز وفخر في البلاد الأوروبية والأمريكية لمكانتهم العلمية الموثوق بها، لقد صنعوا لأنفسهم مكانة نعتز نحن بها كثيراً فهي تمس سمعتنا وكياننا وقيمة أطبائنا في الداخل والخارج. وعلى الرغم من هذا التباهي بأطبائنا العظام لما لديهم من إيجابيات رائعة مشهود لها.. إلا أنه رغم هذه الصورة المشرفة لدينا بعض من الأطباء -ومعظمهم من الأطباء المقيمين- ووراءهم مؤسسات طبية خاصة لا همّ لها إلا قضية الكم: كم حصلنا، كم أنفقنا، كم وفرنا؟.. فقط.
ولذا فهو يلجأ للعمالة الرخيصة على حساب المهارة والقدرة والكفاية الإنتاجية مما يضر بسمعة المؤسسة ويؤثر فيها بالسلب على المدى القصير، لأن هذه العمالة هي التي تقع منها الأخطاء التي تؤدي إلى مشكلات عويصة وإلى مرارات تعترض سبيل المترددين عليها من الآملين في العلاج لما ألمَّ بهم من أمراض.. ولكن هيهات.. هيهات وإزاء ذلك لعلي أتساءل هل يمكن لطبيب أن يسلب من مريض ضعيف حلمه بالشفاء - الإجابة نعم إذا سلك الطبيب طريق اللامبالاة والفوضى الوظيفية والعشوائية الأخلاقية مما ينتج عنه الوقوع في مجرى الأخطاء العملية، ومهما نعتت بأنها صغيرة أو كبيرة إلا أنها أخطاء ممكن أن تهدد حياة بني آدم، ممكن ألا تؤثر في الجسم وحده بل تتعداه إلى النفس والمشاعر والوجدان، هكذا يعيش المريض في صراع مع الحياة، وصراع من أجل الحياة.
إن طبيباً هذا شأنه خلع آداب وأخلاقيات وشرف المهنة، وأصبح لا يُبالي بمعاناة الناس ولا بحياتهم ولا بأرواحهم.
وإذا كان ذلك كذلك فماذا نفعل؟ هل يمكن وضع نظام بات يقضي على مثل هذه الحالة التي ينتج عنها الإضرار بمستحقات المواطنين في نيلهم رعاية طبية وصحية آمنة؟ هل يُمكن أن ينال المواطن الخدمات الصحية في يسر وأمان واطمئنان سواء كانت هذه الخدمات تدخل في النطاق الوقائي أو العلاجي أو التأهيلي أو من خلال القيام بعمل فحوص طبية عن طريق أخذ الأمصال والطعوم وغيرها التي تقيه من الأمراض، أو أن تكون هذه الخدمات هي إجراء فحوص طبية لازمة.
هل يمكن أن يتضمن النظام معايير جودة راقية بحيث لا يقل مستوى الرعاية المقدمة عن الحد المتعارف عليه فتتلاشى الأخطاء؟ وذلك وفقاً لشروط يحددها النظام.
وهل يمكن أن يتضمن النظام أيضاً عقوبات رادعة للطبيب الذي يرتكب خطأ نتيجة الإهمال أو عدم الحذر والحيطة وأن يشمل العقاب من يقوم بالإشراف عليه والمسؤول عن أدائه الوظيفي، وعلى أن تغلظ العقوبة في حالة التكرار قد تصل إلى غلق المؤسسة لفترة من الوقت أو نهائياً؟ إذا كانت تتبع للقطاع الخاص.
وهل يمكن أن يستطلع رأي أصحاب المصلحة في هذا النظام من واقع معاناتهم، فضلاً عن رأي الخبراء والمختصين في مجال الصحة، واللجان الطبية والإدارة والخدمة الاجتماعية قبل عرضه على مجلس الشورى لمناقشته وإقراره.. مستهدفين من ذلك الوصول إلى أفضل صيغة ممكنة تحقق مستوى أعلى من الخدمة الصحية، والوصول كذلك إلى أطيب جودة لضمان حسن الخدمة المقدمة، ووضع آلية لمراقبة الجودة.
وأخيراً فنحن نقترح إنشاء لجنة لضمان الجودة في مجال الخدمات الصحية بكافة قطاعاتها، وبها تستكمل مجالات الرعاية التي تهتم بها المملكة كي يتم تقديمها للمواطنين بأعلى كفاءة ممكنة وطبقاً لأسس معايير يسمو بها الأداء، ويرقى بها التعامل، وتثرى بها الخدمات الصحية، وتؤدي إلى إنهاء المشاكل التي تعتري القطاعات الصحية ومرافقها.