Al Jazirah NewsPaper Thursday  23/04/2009 G Issue 13356
الخميس 27 ربيع الثاني 1430   العدد  13356
الكاتب الاستفزازي!
محمد بن عيسى الكنعان

 

ربما يتفق معي كثير من كتاب الرأي ومحرري الصحافة أن (الكتابة الصحافية) وبالذات اليومية ليست عملية ذهنية سهلة، كونها ترتكز على مسألتين مترابطتين (الفكرة الجيدة والأسلوب السلس)، غير أن الأصعب في هذه العملية الذهنية هي قدرة الكاتب على طرح أفكاره بموضوعية جادة ....

....بعيداً عن (الشخصنة)، وأن يكون حيادياً مع الآخرين في الموقف الذي يتخذه عندما يناقش قضية ساخنة أو يعرض لمسألة طارئة أو يحاول حل مشكلة عابرة، فضلاً عن قدرته على الموازنة بين (الإطالة والإيجاز) بالنسبة لسيل الكتابة المتدفق على متن السطور. فهنا تنكشف تباينات كتاب الصحف من واقع الفروقات الجوهرية بينهم، خاصةً في مدى وعيهم بسمو الرسالة التي يؤدونها بشكل يومي على ناصية الحرف، بل إن جزءاً كبيراً من شعبية هذا الكاتب أو ذاك تتشكل في الوعي الجماهيري العام وفق الأفكار الإنسانية التي رصدها في الواقع، ومن ثم عرضها بطريقة احترافية مقنعة، أو من خلال القضايا الاجتماعية التي يحاول معالجتها بمقاله وفق مرجعيته الفكرية، سواءً دينية أو وضعية معززة بخلفيته الثقافية ومعرفته الحضارية واطلاعها على تجارب إنسانية عالمية.

هذا يقودني إلى افتراض وجود تصنيف بين الكتاب يقوم على أسلوبهم التحريري وجودة الأفكار التي يطرحونها ومدى اتصالها بالواقع المعاش، فتجد (الكاتب الاستعراضي) الذي يتقن الكتابة بلغة سليمة وعبارة جزلة وأسلوب راق جداً في حين أن فكرة مقاله عادةً ما تكون تقليدية، كما تجد (الكاتب الاستهلاكي) الذي يجتر أفكار الآخرين أو الأفكار المتداولة ويكتبها بأسلوب متواضع جداً فلا تخرج من قراءة مقاله بأية قيمة معرفية أو فائدة خبرية، وكأن زاوية مقاله مجرد سد فراغ عند إخراج المطبوعة، أيضاً هناك (الكاتب الاستنكاري) الذي لا يعرف إلا فكرة واحدة اسمها الاستنكار ولا يجيد إلا أسلوباً واحداً اسمه النقد، فالسلبية هي ضالته لأن الإيجابية معدومة في قاموسه الكتابي ونتاجه الفكري، ولكن ما يمتاز عن كل هؤلاء هو (الكاتب الاستناري) الذي يتقن فن اصطياد الأفكار النيرة وعرض المعلومات المفيدة بأسلوب كتابي مميز أو ساخر معقول يغري القارئ على التهام كلمات المقال حتى آخر حرف.

بغض النظر عن الكاتب الاستناري فإن الكتاب الآخرين يمكن قبولهم من قبل القارئ في مقابل رفض كاتب لم أذكره سلفاً، ويعد إحدى عاهات صحافة الرأي وهو (الكاتب الاستفزازي) الذي تلمس بين حروفه (نفساً قلقة)، يترجم مكنونها من خلال كلمات استفزازية للقارئ تعلمها في رحلة طيش الشباب (الثقافي)، لذا فهذه النوعية من كتاب صحافتنا لا يمكن أن تقدم النفع لمجتمعها أو تسهم في نهضته الحضارية وبرامجه التنموية.



Kanaan999@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد