قال الدكتور عبدالعزيز الخضيري وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة الذي يحمل درجة الدكتوراه في الهندسة من أفضل جامعات العالم في الولايات المتحدة الأمريكية، وله خبرة واسعة ولديه علم بتخطيط المدن من خلال تخصصه العالي في هذا المجال وعمله لعدة أعوام في وزارة الشؤون البلدية والقروية، قال سعادته في حديث نشر في عدد من الصحف المحلية قبل مدة إنه يوجد في سجون وإصلاحيات منطقة مكة المكرمة ما يزيد عن ثمانية عشر ألف سجينا، وإن أربعين في المائة منهم دخلوا السجن في قضايا المخدرات، وإن نسبة منهم من صغار السن.
وأشار الدكتور الخضيري إلى أن الإدارة ترحب بأي أفكار تؤدي إلى تغيير نوعية العقوبة المطبقة على المساجين الصغار لتكون بديلة لسجنهم الذي قد يؤدي إلى انحرافهم أكثر؛ ما يجعل السجين الصغير يتدرج في سلم الجريمة من أسفل إلى أعلى، فإن دخل السجن مستخدما المخدرات أصبح بعد خروجه منه لا قدر الله مروجاً، وإن دخل في مشاجرة أو سرقة بسيطة خرج من السجن وعاد إليه في جريمة متوسطة أو كبرى.
وما قاله الدكتور الخضيري يحتاج إلى دراسة متأنية من عدة وجوه يمكن لي أن أقف عند بعض نقاطها على النحو التالي:
1- ما هي أسباب ارتفاع نسبة صغار السن من الجانحين سواء في قضايا المخدرات أو غيرها من القضايا الأخلاقية؟ لأنني أرى أن معالجة أسباب تورط صغار السن ووصولهم إلى مرحلة الجنحة أو الجريمة تساعد على علاج الحالة وتخفيض عدد المتورطين فيها من صغار السن الذين قد لا يدركون ما فعلوه أو ما دفعوا لفعله، وفي معالجة هذه الحالات حماية لهم ولغيرهم من التورط في الجنح والجرائم ووقاية للمجتمع من آثار ما يرتكبونه من أعمال مخلة بالأمن والأخلاق، وقد يكون من أهم أسباب جنوح الصغار انشغال رب الأسرة أو الأسرة بكاملها في صراعهم مع مشاكل الحياة من أجل لقمة العيش وتخطي الصعاب البيروقراطية والتعقيدات الإدارية وارتفاع تكاليف الحياة وفقدان مصدر الرزق الشريف والشعور بالعوز والفاقة والنظر إلى ما في أيدي الناس وعدم قيام العديد من الأغنياء بواجبهم الشرعي نحو الأسر الفقيرة والمعدمة، كل هذه الأمور وغيرها تقود إلى ضياع الصغار وجنوحهم وتورطهم في الجريمة؛ ولذلك وكما ذكر سعادة الوكيل فإن سجنهم لا يؤدي في معظم الأحيان إلى تقويمهم وإصلاحهم، وإنما إلى تنمية روح الجريمة والكره في صدورهم وزيادة نقمتهم على المجتمع الذي تركهم فريسة للفاقة والضياع.
2- حسب ما جاء على لسان الدكتور الخضيري فإن 40% من المساجين دخلوا السجن في قضايا مخدرات، وهذه نسبة عالية بل مخيفة؛ لأن ذلك يعني وجود انحراف بين صغار السن ومن يكبرهم في العمر قادهم إلى المخدرات، ويؤكد ذلك وجود نشاط ترويجي للمخدرات ونشاط تهريبي استطاع توصيل المخدرات إلى المروجين وبالتالي إلى المستعملين الذين يمكن اعتبارهم ضحايا. ولو تمت دراسة هذه النقطة على وجه التحديد فقد يجد رجال مكافحة المخدرات ومن يقومون من أساتذة الجامعات بمثل هذه الدراسة أن معالجة جريمة المخدرات معالجة غير مكتملة؛ ولذلك فلا عجب أن يتحول المستخدم إلى مروج وربما وصل إلى مرحلة التهريب؛ فإنه ينتقل من مرحلة كونه ضحية للمخدرات إلى مجرم خطير يساهم في تدمير وطنه ومجتمعه بتهريب أو ترويج المخدرات، ولا يكفي إنزال العقوبات القاسية لكل هذه الفئات بل لا بد أيضا من معالجتها من جذورها ووقاية المجتمع منها؛ لأن الوقاية خير من العلاج كما تقول القاعدة الصحية، وفي هذا المجال لا بد من معرفة الثغرات التي تتسلل من خلالها المخدرات إلى البلاد.
3- قد يقع صغار السن وحتى الشباب في قضايا تحتاج إلى سجنهم، فما دام هذا هو حال السجن كما قال سعادة الوكيل إنه يساهم في زيادة الانحراف؛ فلماذا لا تطور السجون في أهدافها ومبانيها وأجهزتها حتى تصلح من اعوجاجها، ولا يكفي أن نسمي السجن إصلاحية مع أنه غير ذلك بل لا بد من تحويل كل سجن إلى إصلاحية حقيقية تعيد صياغة نفسية وعقلية السجين وتوجيهه للخير وتدريبه إن كان في حاجة إلى عمل ليصبح صالحا للإنتاج وتبنيه بعد خروجه حتى يجد مصدر رزق شريف، أما إدخاله السجن للأكل والشرب والنوم وغير ذلك مع بعض البرامج الهزيلة فإنه سيتعلم من رفاق السجن طرائق جديدة للجريمة، فإذا أطلق سراحه قد يعود بجريمة أكبر، وإذا تكرر دخوله وخروجه فإنه يصبح لا غنى له عن السجن.
إن الحديث عن أمور السجون والمساجين ولاسيما الأحداث منهم مستمر على مدى سنوات طويلة، وقد تكون هناك دراسات جيدة ورسائل علمية ومقترحات وأفكار، ولكن كل ما ذكر بقي معظمه على الورق ولم يحول إلى عمل، ولعل كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية للأمن بجامعة الملك سعود يقوم بجمع ما سبق صدوره من دراسات وما طرح من أفكار ويطبق عليها ما استجد من أمور وفق إمكانيات هذه الجامعة الفتية التي يقودها في الوقت الحاضر معالي الأستاذ الدكتور عبدالله العثمان، وهو مدير كفء، ولعل هذا الكرسي الأمني الذي يحمل اسم رجل الأمن الأول يساهم في وضع آلية لتنفيذ الأفكار الصالحة التي تطور مستوى السجون وتحولها إلى إصلاحيات يدخل فيها الشاب أو الحدث ليخرج منها مواطنا صالحا مشاركا في خدمة الوطن.
assas.ibrahim@yahoo.com