Al Jazirah NewsPaper Sunday  26/04/2009 G Issue 13359
الأحد 01 جمادى الأول 1430   العدد  13359
مبنى ومعنى
(الغموض بالشعر)

 

قال أحدهم لأبي تمام: لماذا تقول ما لا يُفهم..؟ فأجابه أبي تمام: ولماذا لا تفهم ما يُقال..؟ فأتت هذه الإجابة لتفتح نافذة جديدة على مسألة الغموض والوضوح في القصيدة. فالقصيدة ليست وزناً وقافية فقط، كما أن الوضوح والمباشر يقتل القصيدة ويدمر المشاعر ويدفن الأحاسيس. فالقصيدة الناضجة هي المكتنزة بالمعاني الجليلة والأفكار الجديدة في لغة بكر مبتكرة فريدة، بعيدة عن المباشرة والتقريرية التي نستخدمها في حديثنا اليومي. إذ إن لغة الشعر هي لغة الإشارة والإيحاء في حين أن لغة النثر هي لغة الإيضاح والإفصاح. فالشاعر الناجح هو الذي يجعل القارئ يشحذ حواسه ويتحرك وجدانه وتلتهب مشاعره عند قراءته للقصيدة، فعن طريق الإيحاء والرمز تكون المعاني أكثر تأثيراً، وأدق تفصيلاً في نقل الحالة النفسية والشعورية للشاعر، فاتحاً للمتلقي نافذة يطل بها على أسرار النص ودلالاته، وليس كل ما لم يفهم هو غامض ومستغلق. كذلك يجب على الشاعر المبدع تجنب الرمزية المنغلقة المبهمة التي لا تتوافق مع المدركات العقلية والحسية فيقع في مسألة التعقيد الفني. ويرى ابن الأثير أن (الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه).

أما ريتشاردز يرى (أن الغموض في الشعر قد يعود إما إلى عجز القارئ عن استيعاب الدلالة أو عجز الشاعر عن التوصيل الذي يؤدي إلى الإبهام)، إذ إن الخيال والإيحاء والتأويل توفر للقارئ المتعة واللذة في قراءة النص. والنص العميق هو الذي يجعل كل قارئ يقرأه من زاوية ثقافته وذكائه في استنباط المعاني والدلالات التي يرمي بها الشاعر في كتابته للقصيدة وما تملكه من طاقة إيحائية. فيجب على الشاعر الابتعاد كل البعد عن الغموض الدلالي والرمزي المقفل وكذلك استحالة فهم الصورة الشعرية. كما أن الشاعر الناجح يربط عناصر القصيدة بعضها مع بعض بنسيج فني مبدع، ومن تلك العناصر اللغة العالية وما تحمله من قاموس معجمي كبير، والصورة الشعرية الدقيقة والتي تستطيع الحواس الخمس إتمام عملية التراسل فيما بينها عن طريق اجتراح اللغة وانزياحها لإحداث عنصر المفاجأة واللذة والذي بدوره سينتج لنا قارئاً مبدعاً ترتقي ذائقته كلما قرأ نصاً جديداً متكاملاً بعناصره ومقوماته الأساسية التي تضمن له الخلود بالذاكرة أمداً طويلاً.

إبراهيم الشتوي


mim-150@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد