البطولات تستفز العمالقة وتستهويهم، والشجاعة والإقدام مثار اهتمام وتقدير الكبار، يستوي بذلك الرجال والنساء، ولا نبالغ إذا قلنا إن المجتمع الجاهلي فاق غيره حين عدها معايير القبول أو الرفض للشخصية، واعتبرها - وهي كذلك - أنبل القيم، وأسماها منزلة، وأعلاها مرتبة.
تلك السمات لا تعني بالضرورة أو تقتصر على من يخوض المعارك بسيفه، أو يجالد الأعداء في الساحات، فالمجال أوسع مما يتبادر إلى الذهن وأشمل.
* (عنترة) ابتزه الجمال، واستفزته المرأة، وملكت عليه عواطفه، و(عبلة) هي الأخرى، حقيقة أو أسطورة أسرتها الأدوار البطولية، والمغامرات الفذة للرجل ذي الشهرة الضاربة، المتسامي في خلقه، المعتز بقيمه. ورغم تلك الخيوط التي وصلتنا عن تلك العلاقة الوجدانية لم نكتشف من الموروث عنهما - رغم الجاهلية الجهلاء، والضلالة العمياء - أي ابتذال، أو إسفاف في القول نضح بهما الأدب الذي قرأناه، مما يعطينا دلالات ومؤشرات واضحة على تماسك اجتماعي قوي، ورقابة ذاتية تفوق كل التوقعات والتصورات.
* هذا التصور الذي سقناه عن المجتمع الذي يوصف بالجاهلية يجعلنا نأسف كل الأسف حين نسمع أو نشاهد بعض صور الابتزاز، أو الوقوع في شرك الرذيلة بين الجنسين، وفي مجتمعات تدّعي المدنية والمثالية في حماية الفضيلة. نتساءل كيف يكون هذا التحول الخطير في ثقافة الشعوب وتتغاضى عنه؟ كيف نعالج هذا الابتزاز السافر، أو هذا السقوط في محيط الأقزام حقيقة، المشاهير أو العمالقة ادّعاءً؟ هل بعض النماذج على جاهليتها جديرة بالاستدعاء، والالتفات، والتمثل بها في بعض المواقف والحالات.
* أمام الابتزاز، وأمام الوقوع في حمأة الرذيلة نتساءل دائماً، ثقافتنا الإسلامية التي نعتد بها ونعتز بقيمها ما موقفها أمام ذلك الموروث الجاهلي الذي يحمل نبل المواقف والقمة في الالتزام؟
* فرقٌ شاسع في فلسفة الحب إذا كان باعثاً على الشعور الصادق، والعاطفة المتزنة، زارعاً في النفس الإنسانية صفات الرجولة وسمة البسالة، أو سلك اتجاهاً آخر. في الأول يقف الحب شامخاً عند هذا الشعور، وتظل العلاقة شريفة بين الجنسين، أما سوى ذلك من أشكاله فإن مصيره الانتحار على نحو ما يصوره (جبران) في قوله:
الحب إن قادت الأجسام موكبهُ
على فراشٍ من اللذات ينتحرُ
* في الماضي سمت المرأة فتسامى معها أخلاق الرجال، زكَت في عفتها وأخلاقها فكانوا لها تباعاً. كانت ملهمة للأبطال، حافزة لهم، أما اليوم فلا تسأل عنهم وعنها، كلاهما فقدا السمات والصفات التي كانت تستأثر بالقلوب الحيّة، والرجولة المتكاملة.
* لب المقال ومغزاه يتجه للجنسين، ويتضمن دعوة صادقة للالتفات إلى ما كان لدينا من معطيات وروافد أخلاقية كانت أحد الأسباب التي تعايش المجتمع بها بأمن وسلام، ومودة واحترام، ولم يكن الالتزام الأخلاقي واقفاً في يوم من الأيام أمام الشهرة، إن لم يكن هو الباعث عليها والمؤكد لها. ا- هـ
dr_alawees@hotmail.com