Al Jazirah NewsPaper Wednesday  29/04/2009 G Issue 13362
الاربعاء 04 جمادى الأول 1430   العدد  13362
هل علينا أن نجامل الواقع لنكون وطنيين؟!
د.فوزية عبدالله أبوخالد

 

عندما تتطلبك طبيعة عملك ككاتب رأي مثلاً أو كمختص في حقل معرفي معين من حقول ما يسمى بالعلوم الإنسانية والاجتماعية أو كسياسي أو كمواطن مهتم بالشأن الوطني أن تتحدث للعالم الخارجي أو في الداخل عبر وسائط الإعلام أو مشافهة عن وطنك أو قضية من قضاياه سواء من تلك القضايا التي تتقاطع مع علاقاته بالعالم أو ما يختص منها بواقعه المحلي ومشاغله الوطنية الخاصة..

... فإن أول ما تفكر فيه هو حس المسؤولية الجسيمة تجاه هذا الموضوع على المستوى الذاتي وعلى المستوى الموضوعي.

ومن الأسلئة الصعبة التي قد يواجهها الإنسان في هذا الموقف هو كيف يمكن تقديم موضوع يعبر عن حس الولاء والانتماء للوطن في الوقت نفسه الذي يعبر فيه بموضوعية عن طبيعة الواقع من دون مبالغات أو انحيازات وجدانية أو فكرية تبررية أو دفاعية.

كيف يقدم موضوعاً لا يتعارض فيه الحس الوطني مع حس النقد الموضوعي.

بما يربأ بالحديث عن أن يسقط في نوع من أنواع النميمة السياسية في الوقت نفسه الذي لا يتحول فيه إلى نوع من التجمل للآخرين. فلا يفقد المتحدث والقضية معاً تلك المصداقية الموضوعية التي لا يفرضها فقط الانفجار المعلوماتي الواسع على مستوى عالمي بحيث لم تعد هناك أسرار محلية في المشهد العالمي بل ويتطلبها أيضاً، وهذا هو الأهم، الضمير الوطني والضمير المهني معاً في تقديم موضوع لا يخون المستقبل بمجاملة الحاضر أو تزيين أوجه قصوره كما لا يتورع عن توخي البحث في رؤية نقدية بناءة.

والحقيقة أنه إذا كان يجري أحياناً الخلط بين الشخص وبين النص عند المتلقي خاصة في مجال الموضوعات الثقافية فإنه كثيراً ما يجري الخلط بين الرقيب وبين الذات والمتلقي المحايد وكذلك بين الجسد الوطني وبين جهاز الحكومات بحيث يتعقد سؤال الموضوعية ويضيع بين حساسية علاقة تلك العناصر ببعضها البعض، سؤال هام وهو سؤال الحرية وسؤال المصداقية معاً.

فقد رأيت كيف تسقط مصداقية المتحدث ولا يعود بمقدوره جعل المتابعين يحملون أطروحته على محمل الجد حين استضافت الرياض في بعض نشاطاتها الثقافية في أعوام ماضية متحدثين من قارة أمريكا الشمالية ممن لم يمتلكوا الشجاعة الأدبية ولا الرؤية العلمية والنقدية لتشخيص طبيعة العلاقات الأمريكية الخارجية بمنطقة الخليج وعموم العالم العربي والإسلامي على حقيقتها، فاكتفوا بترديد شعارات المواقف السياسية الرسمية لإدارة بوش الابن آنذاك عن أهمية المنطقة لأمريكا وحرصها على إحلال السلام فيها وإشاعة الديموقراطية.

وقد صاحب هذا الطرح اللاموضوعي تجاهل أو بالأحرى هروب من تحدي أسئلة الحضور، مثل أحد الأسئلة الساخرة والقائل، هل المطلوب أن نفهم ونقبل بأن أمريكا تقوم بإحلال مشروعها للسلام بالمنطقة عن طريق شن الحرب على العراق واحتلالها مع توجيه تهديدات مبطنة وأخرى سافرة لدول أخرى بالمنطقة؟ أو مثل سؤال آخر قيل فيه، هل من ضمن بنود المشروع الأمريكي لإشاعة الديموقراطية بالمنطقة فتح باب الفتنة المذهبية بالعراق على مصراعيه وتعميم عدواها، إعادة الاعتبار للتعصب العشائري والقبلي والعداوات الإقليمية وفتح السجون لأبشع مجازر التعذيب ومخازي الاغتصاب وهمجية القتل الفردي والجماعي التي عرفها التاريخ البشري كله؟

رأيت إختلال مصداقية المتحدث وانفضاض الحاضرين في محاضرة قريبة بأحد الجامعات الأمريكية إلا أن الجمهور هناك ليس مثلنا متعود على الدبلوماسية في إبداء الرأي بل كانوا يظهرون غضبهم من لا موضوعية المحاضر ويوضحون له مبالغاته بالأرقام الدقيقة في موضوع الأزمة الاقتصادية لديهم.

وأيضاً على خلاف ما يجري بالعالم العربي من محاولة بعض المتحدثين خاصة في المحافل الدولية أو بالخارج عموماً من اتخاذ مواقف متطرفة تجاه بعض الأوضاع أو الجهات في أوطانهم مع أو ضد، فقد استمعت لمتحدثة من قسم الدراسات النسوية تتحدث بمصداقية شديدة عن عدم توقيع أمريكا على معاهدة الأمم المتحدة لمقاومة كل أشكال التمييز ضد المرأة بموضوعية. وقد كانت هي أيضاً على خلاف أولئك المتحدثين الأمريكيين المندفعين في الدفاع غير الموضوعي عن مواقف الحكومة الأمريكية. فقد أوضحت القصور الأمريكي الخطير في هذا المجال ووضحت موقفها النقدي دون أن يبدو لأي كان أن في نقدها ذلك إخلال بحسها الوطني كأمريكية.

ذكرني ذلك بمواقف مشابهة حيث كنت أعمل كمستشارة لمجموعة من البحوث على مستوى المنطقة العربية التي تعنى ببحث أوضاع اجتماعية لكل بلد عربي على حدة، فقد كان هناك خلاف يصل حد التناحر بين باحثين يفترض فيهم الموضوعية والدقة حيث كان كل منهم يحاول أن يبرأ ساحة بلده من العديد من الآفات الاجتماعية التي تعيث فيها رغم أن الهدف من القيام بتلك البحوث أصلاً كان التشخيص للعلاج والإصلاح.

والسؤال الملح في هذا الموضوع هو هل علينا أن نجامل الواقع ونجمل صورتنا في الإعلام الخارجي والداخلي لنكون وطنيين أم أن الوطنية قول موضوعي مقرون بعمل مجتمعي و قرارات سياسية شجاعة مبنية على مشاركة مختلف القوى الاجتماعية، لأن تصحيح الصورة لا يجري دون إصلاح الأصل.

هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.





Fowziyah@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد