Al Jazirah NewsPaper Tuesday  05/05/2009 G Issue 13368
الثلاثاء 10 جمادى الأول 1430   العدد  13368
القبول
مها بنت محمد المسلم

 

كم هو جميل أن تعيش في هذه الحياة وأنت تشعر بالقبول لدى الآخرين، وكم هو مريح أن تنظر للآخرين وأنت تكن لهم مشاعر القبول.

ذلك أن تقبل الذات وتعزيزها والإيمان بما خلقت عليه من صفات وقُدرات هي من أهم عوامل تأكيد الذات الإيجابية بشكل رئيس ومن ثم يأتي دور التشجيع والتنمية على نحوٍ صحيح، ثم تنتقل بهذه النظرة الداعمة والمحسنة من ذاتك إلى دائرة تتسع بشكل تدريجي لتشمل دائرة المحيطين بك أولاً ابتداء من أطفالك ثم سائر أفراد أسرتك ثم أقاربك وأصدقائك.. وهكذا.

إننا نتغافل عن مثل هذه النظرة ومثل هذا التقبل المحفز للذات مع أنها ثابتة في حياتنا بشكل أساس، وفي مجالات متعددة، ولننظر على سبيل المثال لا الحصر إلى أصابع اليد والتي هي جزء من أجسامنا فنرى أن بينها اختلافاً في الشكل والمواصفات هذا الاختلاف الذي يسعدنا ولا يقلقنا ولا يريد أي منا أن يراها على نحوٍ متساوٍ، ليس فقط لأن تساويها في الشكل أمرٌ قبيح ولكن لأنها باختلافها تؤدي أدواراً متكاملة فينتج عن اختلافها قوة مرغوبة ومطلوبة من الجميع.

هذه النظرة البدهية إلى أصابع اليد هي نظرة إيجابية لاختلاف الأصابع من حيث الشكل والقدرات لكل اصبع، وهكذا ينبغي أن نكون في سائر مجالات الحياة، وسائر مواصفات أطرافنا.

إن في هذه النظرة مصدر غزير ومتدفق في آنٍ للثقة بالذات والشعور بالاطمئنان للذات، الأمر الذي سيضفي الشعور بالراحة بسبب القبول والتوافق والرضا النفسي.

وإذا أردنا أن نوسع الدائرة لنطبقها على من هم حولنا، ولنبدأ بأطفالنا الذين نتمنى لهم دائماً الأفضل لدرجة أننا ربما وضعناهم تحت ضغط المنافسة مع أقرانهم من العائلة أو الأصدقاء ليكونوا الأفضل الأمر الذي يجعلهم في توتر وقلق دائم مع عدم الشعور بالراحة والرضا عن الذات.

فإذا أردنا معالجة ذلك بشكل جذري ليحل مشاكل متعددة وبطريقة ناجحة بإذن الله فعلينا تقبلهم وتقبل قدراتهم بدون قيدٍ أو شرط مع تحسينها وتطويرها إلى الأفضل بوضعها في بيئة محفزة ومشجعة للتطوير والإبداع، فنتقبل أشكالهم وخلقتهم التي خلقهم الله عز وجل عليها، والإيمان بما يملكونه من مواهب وقدرات شخصية تجعلهم مختلفين بشكلٍ أو بآخر عن أقرانهم دون وضعهم في جحيم المنافسات القاتلة لشعور الاستقرار النفسي والمحبطة لبوادر الثقة.

وقبول الأطفال ليس معناه أن نتقبل تصرفاتهم وسلوكياتهم غير المرغوبة فهي تحتاج إلى تقويم وتوجيه وإرشاد، إذ القبول لا يرتبط بها.

فلا يصح مثلاً: أن أحب ابني يوماً إذا أحسن التصرف ويكون مقبولاً عندي، وإذا ما أخطأ بعد حين أو ليوم غد فلا يكون مقبولاً.

هذا أمرٌ غير واردٍ البتة بل هو خطير أن نجعل الحب والقبول مشروطاً أو حتى مرتبط بتصرفات الإنسان.

فهذا يشعر الجانب الآخر إنه يعيش في بيئة غير آمنة لعدم ثباتها.

فنحن نحبهم دوماً ومتقبلون لهم مع توجيهنا لهم ونصحهم بما يحتاجون إليه، مع تأكيدنا لهم بأننا نحبهم وحبنا لهم هو سبب نصحنا رغبةً منا في عدم تلبسهم بالسلوكيات التي نكرهها.

ثم إن صغار السن من الأطفال والمراهقين يكتسبون نظرتهم الإيجابية لذاتهم من قبول الآخرين لهم فإذا كانوا محبوبين ومقبولين كانت نظرتهم لذاتهم إيجابيه وعالية والعكس صحيح للذات السلبية التي لا تشعر بثبات الحب ولا بالثقة سواء لها أو لمن حولها.

وما يقال هنا في مجال التعامل مع الأبناء، يقال كذلك في مجال التعامل مع الأهل والأصدقاء بل والأزواج.

فكم جميل أن نكون ذوي نظرة إيجابية ونرى كل شيء جميل ونتقبل أنفسنا والآخرين على هذا الأساس..

ولنؤمن جميعاً أن الله أوجد الفروق الفردية وقدر الاختلاف بين خلقه لحكمة من عنده وهي أن نشعر بقيمة الجمال في الاختلاف وليجد كل شخص منا شخصاً آخر يكمله بصفاته.

ولنتخيل لو كنا متشابهين بحيث يكون كل منا نسخة طبق الأصل من الآخر فيا الله كم ستكون الحياة رتيبة ومملة، لهذا فعملية صهر الفروق الفردية مع كونها مستحيلة فهي قاتلة لمتعة الحياة.

ودمتم مقبولين،،

مشرفة تربوية ومستشارة اجتماعية ومدرب معتمد في التنمية البشرية


maha-musallam@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد