عندما تفقد والدك تشعر بأن شيئا عظيما لامعا مضيئا من حياتك قد سقط.. إنه ألم ليس ككل الآلام وحزن لا ككل الأحزان، فهو يشبه فقد الروح وفقد الأمان في الدنيا والسند والصديق والمعين بعد الله سبحانه وتعالى.. حلم مرعب ومزعج لا تصدقه وأنت تعيشه وتكابده كواقع مفجع.. يخيل لك أن أمرا عظيما قد حل بالدنيا.. أو أن كوكبا قد هوى من السماء لقساوة الفقد وعظم المصاب وفداحة الخسارة.
***
عندما تفقد والدك تجزم بأنك لن تستطيع الوقوف على قدميك مرة أخرى، تشعر بوخز بقلبك وألم بصدرك وكسر بظهرك وسواد يلف الدنيا ووجهك.. لا قيمة لكل المكتسبات وقد هوى أعظم الرجال في حياتك، تشعر بأن هذه الدنيا لا شيء وأنت تجمع التراب بكل قوة لتدفن أعز الرجال في حياتك، الذي طالما اخذ بيدك وعلمك من الصفر حتى تصبح فاعلا في هذه الدنيا الفانية.
***
لم يكذب من قال: إن الشاب يشيب فور فقده والديه، حيث يطغى الألم ويسود الحزن وتمتلئ العيون بالعبرات الحارقة.. مسكين من رحل والده غاضبا عليه.. ومسكين من حرم من شرف تغسيل والده وتكفينه ومواراته الثرى.. ما أقسى الحياة دون الأب الحنون وما اصعب أيامها ولياليها. حتى وانت في الثلاثين من عمرك وربما في الأربعين والستين.
***
حدثني والدي ليلة رحيله بعبارات لم افهمها إلا عندما رأيته ميتا ينتظر نعشه وتكفينه، فقد أوصاني وحدثني حديث المودع، ولو علمت لسابقت الزمن لتقبيل يديه وقدميه وتوديعه وداعا يليق بأعماله العظيمة وتربيته الفاضلة، واخلاصه وتفانيه في تعليم وتأديب أبنائه وفهمه العميق للحياة دون أن يلتحق بركب المتعلمين، حيث تعلم أصول التربية الحديثة من مدرسة الحياة.. أتذكر أنني عندما كنت طفلا فقد كنت أخشى ما أخشاه عقابه الذي لم أتشرف به حتى موعد الرحيل.. عاش 70 عاما وما أقصرها.. لم يهتز يوما.. ولم يشتك مرضا أو هما أو مصيبة من مصائب الدنيا.. كان متسامحا مع نفسه ومتصالحا مع أقداره لم يجزع ولم يندم أو يضعف أبدا.
***
ماذا أقول أنا المفجوع من رأسي حتى أخمص قدمي.. أنا الجريح من الوريد الى الوريد في والدي الذي علمني اسرار ومتطلبات الحياة كلها.. العزاء الوحيد أنني سوف أظل خادما لسيرته الطيبة وتاريخه المشرف ومخلصا في ذكره وشكره والدعاء له ما دمت حيا أتنفس الهواء..
يا رب رحمتك.. مضى شهر على رحيله والجرح أعمق والفجيعة تتجدد والفقد أعظم من قدرتي على الاحتمال..
يا رب رحمتك.. تجاوز عن عبدك (والدي) واغفر له ذنوبه وخطاياه فانه لا يغفر الذنوب إلا أنت سبحانك..
يا رب رحمتك.. واجمعني به يوما في جنتك بعد أن فرقتنا الدنيا وما أدناها.. وما أقسى عيشها..
يا رب رحمتك.. وان نسيت والدي يوما فلا تنساه برحمتك وفضلك يا ارحم الراحمين.. يا رب رحمتك..
- نائب رئيس المجلس البلدي عرعر- صحفي
aldaydab@hotmail.com