Al Jazirah NewsPaper Wednesday  13/05/2009 G Issue 13376
الاربعاء 18 جمادى الأول 1430   العدد  13376
مركاز
حسين علي حسين

 

كل إنسان تأتي عليه لحظة يأس، بعض هذه اللحظات تأخذ أياماً وشهوراً تتحول خلالها الحياة في نظر اليائس إلى قطعة من الحنظل، تتحرك في الجسد كله، ولا حل لها عند بعض الناس سوى الفرار من مباهج الحياة، أحياناً باعتزال الناس وإهمال الملبس والمأكل والمشرب، حتى يتحول البائس إلى شبح من عالم الأموات أكثر منه من الحياة الدنيا، وبعض هؤلاء البائسين يتحولون إلى برميل متحرك من الأحقاد والضغينة والغل، على صالح الدنيا وطالحها معاً، فهم المسؤولون أولاً وأخيراً عن المآل الذي آل إليه البائس!

وأنا أعرف العديد من الناس الذين عبرت إليهم هذه اللحظات البائسة، وقد عاقبوا أنفسهم بما فيه الكفاية، ثم عادوا بعد أن تأكدوا كما يقول أحد الفلاسفة، إن الذي يبكي.. يبكي وحده! أما الذي يضحك فإن الدنيا كلها تضحك معه! وهي مقولة صحيحة، لذلك لا تستغرب إذا دخلت إلى مجلس عزاء ورأيت الناس وقد نسوا الميت الذين جاؤوا للعزاء فيه وجبر خواطر أهله، وإذا بهم يجدون أهل الميت منخرطين في أحاديث وابتسامات عن مواقف من هذه الحياة الدنيا، وإن كان من المؤكد أن أهل هؤلاء الميت، وحالما يختلون بأنفسهم سوف يتذكرون ميتهم بالبكاء والدعاء، وسوف تذكره زوجته وأبناؤه في كل ركن من أركان منزله، لكن ما ذنب هؤلاء الناس في لواعج أنفسهم وبكائهم وآلامهم؟!

لقد أحرق أبو حيان التوحيدي بعض مؤلفاته، يائساً من الناس، الذين ضنوا عليه بالمال والحياة، وهو صاحب الموهبة والجهود البارزة في الجمع والتأليف، حتى اضطروه إلى مد يده كلما عضه الجوع إلى السلاطين والقضاة، وكان يمد يده وبها معاريضه ونفسه تضطرب حقداً عليهم ويأساً وألماً على سنوات قضاها لا أنيس له سوى القرطاس والقلم، ولو كان أبو حيان خاملاً لما بكاه أحد، ولما ظللنا حتى يومنا هذا نقرأ مؤلفاته المهمة التي لم تكن طوع يده عندما شرع في حرق مؤلفاته! وما حصل على التوحيدي حصل على مؤرخين وكتاب، بعضهم تخلص من مكتبته برميها في حاوية المخلفات وبعضهم أهداها بكل ما فيها من الكتب والملفات والصور إلى المكتبات العامة، ولم يترك لنفسه إلا الصحف اليومية يقرأها يومياً، ثم يفرشها سفرة للطعام، أما الكتابة والبحث فقد ودعها إلى غير رجعة، وفي ظنه أنه يعاقب المجتمع، لكن الحقيقة هي أنه يعاقب نفسه أولاً وأخيراً، فالساقية سوف تدور وتدور حتى تصطدم بالحصى، وهذا مستحيل لأن معناه واحد: الموت!



فاكس 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد