Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/05/2009 G Issue 13377
الخميس 19 جمادى الأول 1430   العدد  13377
المخدرات تزاحم المعلومات على الإنترنت

 

الجزيرة - سعود الشيباني

عندما أبعد الله إبليس من الجنة أخذ على نفسه عهداً أن يعمل على إغواء عباد الله المؤمنين، إذ قال كما ذكر الله في كتابه {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} سورة ص آية (82-83) ولذا فالشيطان يعمل ليل نهار دون أن يكل أو يمل على إغواء كثير ممن يتمكن منهم بحيث يوحي إلى أوليائه عمل كل شيء من أجل نشر الفساد في الأرض وترويج المنكر والسموم القاتلة.. وكم يزين للمروجين والمدمنين استخدام التقنية الحديثة لبث سمومهم وسط شرائح المجتمع على أمل أن يكونوا بعيدين عن أعين الرقباء وعن متابعة رجال مكافحة المخدرات..

لكن أعين رجال الإدارة العامة لمكافحة المخدرات لم تكن غائبة عنهم وإن ظنوا ذلك، إذ من الطبيعي أن يعمل هؤلاء الرجال على سد الثغرات ووضع كافة الاحتمالات ومراقبة مختلف الوسائل المحتملة خصوصاً أن من يستهدف مجتمعاً بأسرة من خلال ترويج المخدرات سوف يطرق كل الأبواب وليس هناك ما يردعه أو يرده عن سوء عمله، بل إن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات عملت على إنشاء وحدة للانترنت تعنى بمتابعة وملاحقة المروجين الذين يستغلون هذه الوسيلة للتخفي عن العيون الساهرة والرقيبة..

هذه بعض قصص من الميدان عاشها رجال المكافحة البواسل ورصدتها أعينهم الساهرة.. عسى أن تكون عبرة لأولي الألباب:

منذ خمس سنوات ظلت المديرية العامة لمكافحة المخدرات تولي اهتماماً شديداً لمواقع الإنترنت بوصفها وسيلة يمكن أن تستغل في الترويج والتجارة واستهداف الضحايا وبالفعل تم اكتشاف بعض العصابات التي تستغل هذه التقنية الحديثة من أجل الإيقاع بالأطفال والمراهقين والشباب والنساء في مستنقع المخدرات الذي لا قاع له.. وتم من خلال نشاط أفراد الإدارة المدربين على وسائل التقنية الحديثة اكتشاف عصابة من أربعة سعوديين وامرأة بريطانية يقومون بترويج المخدرات عبر موقع لهم على الإنترنت وكان السعوديون الأربعة قد درسوا ببعض الجامعات الغربية وحصلوا على شهادات منها..

وقد استغلوا ذلك وتمكنوا من الحصول على درجة عالية من الإدمان والخبرة والقدرة على الترويج عبر أحدث الوسائل.

ولما كانت المديرية العامة لمكافحة المخدرات على درجة عالية من اليقظة والحذر والمتابعة فقد أعدت منذ وقت مبكر وحدة تختص بهذا الجانب وزودتها بالأجهزة التقنية اللازمة وبالكوادر البشرية المؤهلة في هذا المضمار، بل خصصت أناسا محددين لهذه المهمة من ضباط وجنود وتم تأهيلهم بدرجة عالية. حيث استطاع هؤلاء المتخصصون التقنيون من أفراد مكافحة المخدرات أن يحددوا موقع تلك العصابة المكونة من أربعة سعوديين وبريطانية، حيث يستخدمون موقعاً للتواصل بينهم والتواصل من خلاله مع المستهدفين وكانوا يركزون على أبناء رجال الأعمال وبعض الفئات في المراكز التعليمية العالية وذلك لضمان الحصول على مبالغ كبيرة بوصفهم الشريحة القادرة على الدفع تحت كل الظروف.

اختراق احترافي

بعد اكتشاف هذا الموقع المشبوه بأسبوعين فقط استطاع أحد الضباط أن يخترق المجموعة ويصادقهم ويكسب ثقتهم فأخذ يجالسهم ويسامرهم ويدعوهم لوجبات وجلسات واستمر الوضع على هذا المنوال لمدة شهرين كان خلالها يشتري منهم ويدفع لهم ما يريدون لكنه في هذه الفترة عرف كل شيء عنهم ورصد كل تحركاتهم وتعرف على محيطهم وبعد هذه المدة الطويلة استطاع استدراجهم إلى أحد الشاليهات الكبيرة بغرض شراء كمية من المخدرات منهم.. ولم يفت على فطنة الضابط أن يختار الزمان والمكان المناسبين بحيث لا يثير الأمر أي شك أو اشتباه لدى المجموعة مما قد يؤثر في نجاح العملية.

وعند حلول ساعة الصفر ووقت تسلم الكمية وتسليم المبلغ داهمت فرق مكافحة المخدرات الشاليه وطوقته من كل الجهات وتم القبض على أفراد العصابة وبحوزتهم كميات كبيرة من الحشيش والهيروين التي كانت تستهدف عقول وأبدان العديد من الشباب والمراهقين وحتى النساء.. فتم إحباط خطط هذه العصابة ولكن هذا الانجاز ليس إلا حلقة من حلقات الإجرام.. وهذه فئة من عالم يستغل الانترنت لينفث سمومه المدمرة على البشرية بتجرد تام من الإنسانية والإحساس بالذنب.. لكن رجال مكافحة المخدرات كانوا لهذه العصابات بالمرصاد وكانوا حماة حقيقيين لأبناء البلد والمقيمين فيه.

صوته دليل عليه

من الجرائم التي احتوتها يوميات رجال مكافحة المخدرات عن محاولات الترويج عبر الإنترنت أن أحد المواطنين تعرف على مروج عبر الانترنت ونمت بينهما علاقة لم تكد تصل إلى درجة الثقة، إذ إن هذه العصابات عادة ما تكون على قدر من الحذر والحيطة وبالرغم من ذلك فإن الله يوقعهم في قبضة رجال مكافحة المخدرات يوما ما...

هذا المروج أخذ يطلع هذا الشخص الذي تعرف عليه على مختلف الأنواع وآخر ما وصل من سموم ويعدد له ميزاتها بأسلوب تسويقي احترافي فحدد هذا الشخص موعداً ومكاناً للتقابل لاستلام النوع وتسليم المبلغ وكان المروج في كل مرة يحدد مكاناً ولا يحضر.. كل هذا نظرا لحرصه الشديد وسعيه لمزيد من الحيطة والحذر..

وبالطبع كان رجال مكافحة المخدرات يتابعون كل ما كان يجري عن كثب.. ولما كرر عدم المجيء في الزمان والمكان المحددين.. بدأ رجال مكافحة المخدرات بتنفيذ خطة تقوم على انتشار رجال المكافحة في عدد من المقاهي بعد أن حددوا صوته وتم التعرف عليه بصوته وقبض عليه في أحد المقاهي وهو يستدرج أحد ضحاياه فاعترف بما نسب إليه وتم التحفظ على كمية المخدرات التي عثر عليها بمكان سكنه.

عراك داخل مقهى

هكذا أهل الشر دائما لهم ارتباط وثيق بأعمال العنف والقتل والإجرام.. ولهم صلة بالإرهاب لأنهم ينطلقون من نفسيات حاقدة على المجتمع وهي ردة فعل لفشلهم في الحياة وعدم سلوكهم الطريق السوي.. فهم عند أول مواجهة يحاولون إحداث بلبلة واستخدام السلاح ربما لمعرفتهم أن مصيرهم الحتمي إلى الموت.

فهذا مروج خطير يعمل عبر شبكة الانترنت دون كلل أو ملل من أجل تدمير النشء واستهداف المجتمع ببث سمومه القاتلة والترويج لها عبر دهاليز الشبكة..

وبينما كان يعرض كمية من الحشيش على بعض (المدمنين) من خلال الشبكة تم التعرف عليه من قبل رجال المكافحة، وتم التواصل معه من أجل تحديد مكانه والقبض عليه.. وحينما استطاع رجال المكافحة التعرف على المكان الذي يوجد فيه ومواجهته داخل أحد المقاهي حاول المقاومة وحدث عراك بينه وبين ضباط مكافحة المخدرات وتمت السيطرة عليه والإمساك به وعثر في سيارته على كميات من الحبوب والحشيش.

قبل أن يتزوجها يريدها أن تقع في الفخ

لتأكيد أن المروجين لا أخلاق لهم ولا عبرة لديهم بقيم أو أعراف فهم أبعد ما يكونون عن الإنسانية.. ولذا فإنهم كثيراً ما يوجهون سموهم القاتلة نحو أقرب الناس إليهم..

فهذا مروج كان قد عقد قرانه على إحدى الفتيات.. وظل يراسلها عبر الإنترنت.. وأثناء التواصل والتراسل الإلكتروني حاول إقناعها بتعاطي المخدرات وإنها غير ضارة محاولاً التقليل من خطورتها فاندهشت الزوجة المسكينة بل صدمت في زوجها وبعد تأكدها من انه مدمن سارعت بإبلاغ مكافحة المخدرات فتم القبض عليه وبالتحقيق معه ومتابعته ثبت أنه أحد المدمنين والمروجين عبر الانترنت.

يستغل ثقة والده فيأخذ ماله

تتوالى القصص والأحداث التي تعكسها محاضر التحقيق لدى إدارة مكافحة المخدرات وتتنوع وهي التي تبرز اهتمام عصابات الترويج بالتقنية وتوظيفها من أجل نشاطهم الإجرامي.

من هذه الأحداث أن مواطناً أنشأ مركزاً للتدريب على الحاسب الآلي واستعان بابنه في إدارة المركز بحكم خبرته في مجال الحاسب الآلي خصوصاً خلال فترة الإجازة وبعد فترة من وجود الابن في المركز لاحظ والده تغيراً في سلوك الابن وأن المركز يفقد أموالاً بشكل مستمر.. وبعد بحث وتقصٍ اكتشف الأب أن ابنه يأخذ من أموال المركز مجموعة من المبالغ.. كان آخرها مبلغ (50) ألف ريال وبعد متابعة الموضوع ومراقبة الابن اتضح أنه مدمن مخدرات وانه يأخذ هذه الأموال من أجل الحصول على المخدرات.. فتم تسليمه لإدارة مكافحة المخدرات وبعد التحقيق معه أكد انه تعرف على أحد المروجين الذي يعرض سمومه عبر الإنترنت وأن هذا الابن يستطيع الدخول إلى مواقع يصعب الوصول إليها وذلك بحكم تمرسه التقني ومن خلال العمل بالمركز..

وتمت معالجة الابن من الإدمان وبمتابعة المروج والتواصل معه تم القبض عليه وعلى ثلاثة آخرين كلهم درجوا على ترويج المخدرات عبر الانترنت ويلاحظ في كل هذه القصص المتشابهة أن المروجين عبر الانترنت يصطادون ضحاياهم من فئات الشباب والمراهقين من الجنسين ممن يحرصون على الدخول إلى الشبكة العنكبوتية.

أضاع البعثة

كارثة الإدمان قد تفقد من يضعف أمامها دينه وصحته وماله وعقله ومما تفقده أيضا مستقبلة ودراسته أو عمله فهذا شاب تم ابتعاثه إلى بريطانيا للدراسة وكانت فرحته غامرة بالابتعاث وكذلك فرحة أهله وذويه.. لكن هذا الشاب لم يكن على قدر المسؤولية التي منحت له إذ وقع فيما لم يكن في الحسبان..

إذ كان استخدامه للتقنية على نحو خاطئ سبباً في الوقوع فيما لا تحمد عقباه.. إذ كان ذلك سببا في تواصله مع أحد المروجين ليقع في حبائل الإدمان.. حيث تعرف عبر الانترنت على أحد مروجي المخدرات فاصطاده وأوقعه في الإدمان واستلم زمام أمره وفقد صحته وترك دراسته وتدهورت أوضاعه فتم نقله لتلقي العلاج هنا في أرض الوطن وخسر البعثة لأنه أساء التصرف ولم يحمد الله على النعمة التي يفتقدها غيره ويتمناها الكثيرون. وتم تسليمه عبر أجهزة إدارة مكافحة المخدرات إلى مركز علاج الإدمان وأخضع لعناية جيدة حتى بدأ يتعافى من تلك السموم.. وهو الآن في المراحل الأخيرة للعلاج من الإدمان. ولكن بعد أن فقد مستقبله الدراسي وفقد الكثير من وقته.

يغتصب شقيقته

ثمن الإدمان أو الترويج لا يقوم بدفعه المدمن وحده، بل قد تشاركه أسرته أحياناً سواء من خلال الأذى الذي يلحق بها أو سوء السمعة أو ما يصيب المدمن المنتمي لهذه الأسرة ولكن حينما يكون الثمن هو أغلى ما في الوجود وهو العرض.. ويكون في شكل جريمة نكراء لا يقوم بها حتى أولئك الذين تنتشر لديهم ظواهر الزنا والاغتصاب في عدد من المجتمعات الغربية، بل قد يأنف ذلك بعض الحيوانات.. فإن الأمر يكون قد خرج عن طوره كثمن يدفع.. بل تكون مصيبة قد حلت بمن يقع عليه المنكر..

فهذا شاب استخدم المخدرات من خلال تعرفه على أحد المروجين عبر الإنترنت وصار مدمناً على المخدرات والمسكرات وذات مرة تعاطى المخدر والمسكر وتحت تأثيرهما دفعته النفس الدنيئة التي يقودها الشيطان إلى محاولة اغتصاب شقيقته ذات الـ(16) عاماً.. ودمر حياتها وزلزل أركان أسرته وفجع أفرادها فقامت أمه بالإبلاغ عنه وتعاملت إدارة مكافحة المخدرات مع الحدث وتم القبض على الجاني بتهمة هذه الجرائم المتعددة.

ترويج عبر الدردشة

في زمن عصابات الشر وبيع السموم وانعدام الضمير مهما سدت الثغرات يجد أولياء الشيطان منفذاً لهم لمحاولة تخريب عقول وصحة النشء لكن رجال المكافحة يبذلون كل الجهد لأجل تطويق ومكافحة انتشار المخدرات.

وهنا مثال حي لصورة من صور انتزاع الأبناء من بين أسوار منازلهم وإيقاعهم في فخ هذه المخدرات.. فهذا مواطن حريص على ابنه يخشى عليه من أصدقاء السوء ورفقة الشر فاشترى له جهاز حاسوب وطلب منه عدم الخروج من المنزل خصوصاً وان ابنه في سن المراهقة.. لكن الابن تعرف عبر الدردشة على أحد المروجين ونمت بينهما علاقة مشبوهة فدعاه المروج إلى أحد المقاهي فتم اللقاء فقدم المروج للابن سيجارة من الحشيش في أول لقاء بينهما وتكرر المشهد حتى وصل المراهق مرحلة الإدمان فلاحظ والده التغيرات التي طرأت عليه وتقصى الأمر وعرف أن ابنه وقع في حبائل الإدمان وأبلغ مكافحة المخدرات وقامت فرقة من مكافحة المخدرات بالقبض على المروج، أما الشاب الضحية فما زال يتلقى العلاج في أحد مراكز العلاج من الإدمان إذ هو بفضل الله تعالى في مراحله الأخيرة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد