Al Jazirah NewsPaper Friday  15/05/2009 G Issue 13378
الجمعة 20 جمادى الأول 1430   العدد  13378
نوازع
الإعلام والأخلاق
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

 

كل شيء يغريك أن تكتب في هذا الزمان، عجائب وغرائب، ونواقض وفرائض، إن أردت دهاليز السياسة فأبوابها مشرعة، لم يترك الإعلام شاردة ولا واردة إلا ويدلف إليها، يقول فيها ما يشاء حسب المغزى والهوى، فلكل قناة خط اختطته لنفسها، ويمكن بكل يسر أن تدرك المراد، دون اجتهاد، فتضيع الحقيقة بين أصحاب الهوى، ويبقى الملتقي حكماً فيما يصل إليه، وحري به أن يمحصه ليصل إلى الحقيقة، غير أن المشكلة أن المتلقي في أحيان كثيرة يميل هو ذاته حيث يميل هواه، ويرتضيه نهجه ومسلكه السياسي؛ فيفسر الأمور بما يقتضيه مراده لا ما تستدعيه الحقيقة، فيصبح النهج السياسي طاغياً للفرد على الحقيقة، فيكون الحدث أداة سياسية لدى القنوات والمتلقين، فتضيع الحقائق وينتهي الأمر إلى فن الإقناع، والقدرة على الإسماع، ويذوب الحق في الباطل.

والشواهد كثيرة، والخوض فيها له محاذيره، ولهذا فإن العالم بأسره، يحتاج إلى تغيير في نهجه، في كثير من معالمه، وأساليب إدارته السياسية، والاقتصادية، والمالية، والاجتماعية، والقضائية، وقبل ذلك الإعلامية.

إنّ الإنسان الذي استطاع أن يسخّر الآلة في خدمته ما زال عاجزاً عن تبني سياسات عالمية كفيلة باستقراره، وأخرى اقتصادية ومالية تسير معاشه، واجتماعية وقضائية تحمي ترابطه، والحقيقة الخافية القادرة على حل ذلك اللغز تكمن في فلسفة النهج الإنساني القائم في الوقت الحاضر؛ لأنها فلسفة مبنية في الأساس على المصالح وحدها، المصالح بين الأمم، دون حدود وقوانين أخلاقية تسير المسيرة الإنسانية.

عندما جاء الإسلام وقبله اليهودية والنصرانية وغيرها من كتب الله ورسله كانت تحمل فلسفة الأخلاق قبل المصالح، وتصحح النهج الإنساني؛ ليقلع عن حب الذات إلى حب المجتمع، وفوق ذلك عبادة الله جل جلاله، ولهذا فعندما حلت الأزمة المالية العالمية التي أدت إلى أزمة اقتصادية خرج بعض قادة العالم ليحمّل الأخلاق جزءاً من أسبابها، ويصف القائمين على بعض مناحيها بأنهم لم يحملوا في نفوسهم خلقاً رفيعاً يمنعهم من المقامرة والمغامرة بأموال الآخرين.

إنّ من يحمّل الأخلاق جزءاً من المسؤولية هو ذاته الذي نحاها جانباً عند تطبيقه للنظرية الاقتصادية، ونحاها جانباً عندما أرسى القواعد السياسية، فالأمم المتحدة وقبلها عصبة الأمم، وضعت قواعدها المنتصر، ولم تأخذ في الحسبان حقوق الآخرين، والعدل فيما بينهم.

عندما لا تكون الأخلاق حاضرة عند وضع القوانين واتخاذ الحكم وتطبيقه فلن يكون هناك عدل، وعندما لا يكون هناك عدل فلن يكون استقرار، فالدائرة ستدور، وسيصبح المهزوم منتصراً، والمنتصر مهزوماً، ويستمر الاقتتال والظلم، وهكذا ينجح الإنسان في صنع الآلة ويفشل في ترتيب بيئته المعيشية بتنحيته للأخلاق.

هناك أمم لا تدين بدين سماوي، وسيرت معيشتها بأخلاق توارثتها، وكانت أخلاق في كثير منها جيدة، كلما ابتعدت عنها زاد بؤس الشعوب وانتشر القتل والفقر.

أمم أخرى غير مسلمة تدين بديانات سماوية استطاعت في مراحل معينة جني ثمار تمسكها ببعض الأخلاق والقيم ذات الارتباط بالإرادة والإنتاج، لكنها أخفقت في تلك المتعلقة بالعلاقات الدولية، فتم على يدها كثير من المآسي الإنسانية.

والمسلمون ليسوا ببعيدين عن تلك الأمم؛ فكان صدر الإسلام نموذجاً لنبذ الذات والانصراف عن الهوى وتغليب الحق، فعم العدل والرخاء على المسلمين وعلى غير المسلمين الذين عاشوا في كنفهم، وعندما انحرفوا عن تلك الأخلاق، مالت بهم السفينة، وأخذت تترنح في بحر ملتطم الموج حتى وصلت بهم الحال إلى ما وصلت إليه.

كانوا في فترات متفاوتة وبدرجات متفاوتة أقل شأناً بمقدار بعدهم عن تطبيق الأخلاق التي حددها القرآن، وتلك الأخرى من مكارم الأخلاق التي توارثوها والتي شملها الدين الإسلامي، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق).

والأخلاق تنصب أولاً وأخيراً في بوتقة المعاملات، فهل يا ترى نضع الأخلاق وعلى رأسها العدل في تعاملنا المادي والإداري والاجتماعي والإعلامي؟ إذا كان كذلك فنحن بخير.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد