Al Jazirah NewsPaper Friday  15/05/2009 G Issue 13378
الجمعة 20 جمادى الأول 1430   العدد  13378
تطبيق الجانب الإسلامي في الخطاب الملكي أمام الشورى.. مسؤولية مَنْ؟!
ممدوح بن محمد الحوشان

 

شكَّلت مضامين الكلمة الملكية التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمام مجلس الشورى لعامه الأول في دورته الخامسة أحد أهم الأُطر المرجعية لرسم وتنفيذ وتقييم خطط العمل لكافة الوزارات خلال العام القادم كلٌ فيما يخصه ووفق مسؤولياته.

وتناولت الكلمة الملكية الضافية جملة من القضايا والموضوعات ذات الصلة بالمؤسسات الإسلامية والهيئات الدينية، ولا بد لكي تتحول الرغبة والإرادة الملكية إلى واقع ملموس، أن تأخذ المؤسسات الدينية مضامين الخطاب الملكي الكريم - المتعلق بها - بعين الاعتبار في كافة خططها ومشاريعها القائمة والمستقبلية، وأن تجعل من الخطاب الملكي إحدى الركائز التي تستفيد منها في أعمالها القادمة نظراً لما حواه من رؤية ثاقبة وحس رسالي عالمي بواجب الأمة المسلمة في سبيل إسعاد وإصلاح العالم بأسره.

إن (مفهوم التسامح الديني) يُعد من المرتكزات الأساسية للخطاب العالمي الذي يدعو له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كافة مشاريعه الحضارية الحوارية في الداخل والخارج، وهو من المفاهيم والمصطلحات الإسلامية التي ما زالت بحاجة إلى مزيد من البحث والمدارسة والتأصيل الشرعي بغرض بلورته ورصده في سياق التاريخ الإسلامي، وتحديد بعض تجلياته في أبواب العقائد والأحكام، والسعي لمناقشة الشبه والتصورات المناقضة له.

وأرى أن الجامعات والهيئات الشرعية مطالبة بإدراج الموضوعات الأساسية لحوار أتباع الأديان والمذاهب الإسلامية (وعلى رأسها موضوع التسامح الديني) في صلب نشاطها البحثي والأكاديمي، وهو يستحق في نظري أن يُدرج ضمن برامج الدراسات العليا بحيث يتصدى طلبة الماجستير والدكتوراه لتأصيل الجانب الشرعي وتوضيحه وتعميقه، وبالتالي تكون هذه الدراسات المعمَّقة أداة من أدوات نشر ثقافة الحوار والتسامح بين أتباع الأديان.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الرؤية الملكية ارتكزت في موضوع حوار الأديان على مقررات وتوصيات (نداء مكة المكرمة) واعتبره خادم الحرمين الشريفين أساساً للحوار مع الآخر في خطابه الملكي أمام مجلس الشورى.

وبموازاة المسار البحثي التأصيلي ينبغي السير في المسار العملي، من خلال مراجعة المسؤولين في الجهات الدينية المتعاملة مع الجمهور بشكل يومي (على سبيل المثال.. الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف، والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي - القضاء... إلخ) لكافة الأنشطة والإجراءات واللوائح المعمول بها ميدانياً بحيث يتم التأكد من أنها متطابقة مع مضامين الخطاب الملكي، وفي حال وجود إجراءات أو لوائح مخالفة فلا بد من التوجيه بتعديلها أو إضافة اشتراطات جديدة تضمن استيعاب هذه الجهات للفهم الرسالي واسع الأفق الذي يحمله خادم الحرمين الشريفين لخير الإنسانية جمعاء.

وفي اعتقادي أن دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى (احترام خصوصية كل معتقد وثقافة) وتأكيده -رعاه الله- على (أن الرؤية الإسلامية للحوار تُوجد الطمأنينة والرفاهية لشعوب العالم)، من أهم الأسس التي ينبغي مراعاتها من قِبل الأعضاء المطبقين للرؤية الإسلامية ميدانياً (الدعاة والمحتسبون وغيرهم).

ويحدونا الأمل أن تواصل وزارة الشؤون الإسلامية جهودها المباركة في مجال نشر خطاب الوسطية والاعتدال، وأن تضطلع بواجبها فيما يتعلق بتجسيد الرؤية الملكية على أرض الواقع من خلال تبنيها لجملة من العناوين العريضة لخطب الجمعة، وندوات الجوامع، ومحاضرات المساجد، بحيث تكون مادتها العلمية ملبية وناشرة للقيم والمرتكزات والأهداف السامية لمشروع خادم الحرمين الشريفين لحوار أتباع الأديان السماوية الإرشادية والتوجيهية (أو على أقل الأحوال غير متناقضة معها أو هادمة لها)، وعلى الوزارة مسؤولية كبيرة في متابعة كيفية تناول الخطباء والدعاة التابعين لها لموضوعات الحوار وفقه التعامل مع الآخر والتأكد من أنها تغرس الرؤية الإسلامية المعتدلة للعلاقات بين الشعوب وتركز على المشترك الإنساني بين أتباع الثقافات وتسهم في نشر ثقافة التسامح والحوار وتبرز المساهمة الإيجابية للأديان في مواجهة التحديات المشتركة.

إن المشروع الحضاري الذي يبشر به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله مشروع عالمي أممي يستهدف العودة الصادقة لتعاليم الأديان السماوية الصحيحة، وهو يحمل في طياته دعوة للحوار بين أتباع الأديان بغرض فتح صفحة جديدة في تاريخ البشرية، وهو يقدم مشروعاً حضارياً للخروج من مأزق الخلل السياسي والأخلاقي.

وقد صارت المملكة اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تحمل رسالة عالمية هدفها العودة بالجميع لاحترام الأديان.

ولتحقيق هذه الرسالة العالمية العظيمة فإنه من الملائم أن تراجع وزارة الخارجية وسائلها وآلياتها في مجال النشاط الثقافي والدبلوماسي في الخارج بحيث يكون مسهماً في إيصال رسالة خادم الحرمين الشريفين للشعوب والنخب والهيئات الدينية في المجتمعات الغربية والآسيوية، خصوصاً أن الخطاب الملكي ألمح إلى تحالف عالمي فكري جديد تسعى المملكة إلى نشره بين دول العالم.

كما أن وزارة المالية قادرة على تفعيل الرؤية الملكية على المستوى الدولي باعتبارها الممثل المالي لحكومة المملكة في (مجموعة العشرين)، إذ بات للمملكة نصيب وإسهام في صندوق النقد الدولي ومؤسساته الإقراضية، ومن المهم جداً أن يكون صوت المملكة في أعمال هذه الصناديق والمؤسسات المالية متطابقاً مع ما ورد في الخطاب الملكي بشأن اضطلاع المؤسسات المالية الدولية بمسؤولياتها الخاصة تجاه الدول النامية وبخاصة الفقيرة منها، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على المشروع الحضاري الذي تتبناه القيادة السياسية.

وبما أننا نتحدث على الصعيد الدولي فلا يفوتني التذكير بضرورة توفير كافة أشكال الدعم المالي والسياسي واللوجستي للمؤسسات والهيئات السعودية النشطة في العمل الإغاثي والفكري والثقافي في خارج المملكة، لأنها تشكل بجهودها الإغاثية والفكرية والاجتماعية تجسيداً حقيقاً ومباشراً للدور الإنساني السعودي في مجال دعم الحوار والتواصل بين أتباع الثقافات المختلفة، وتُعد جهودها أكثر مصداقية وقبولاً من قبل المجتمعات المتحضرة لأنها تنظر لها باعتبارها مؤسسات تطوعية مستقلة تمثل الرأي العام ولا تخضع بالضرورة للتوجهات السياسية وبالتالي تتضافر برامجها ومشاريعها مع المشاريع الرسمية لتحقيق الغايات المشتركة للرؤية الملكية.

وختاماً أقول: إن برامج وخطط العمل لمؤسسات العمل الإسلامي السعودي في العقد القادم، يجب أن تُبنى على الأسس الفكرية والشرعية التي يقررها علماء الأمة وولاة أمرها، وأن تتناغم هذه الجهود وتتقارب سعياً لتحقيق المصالح الشرعية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي يراها صانعو القرار في البلاد بنظرة شمولية واسعة المدى.

وليتذكر الجميع أن الالتفاف حول الغايات العظيمة يؤدي إلى توحيد المسار ويقضي على الخلافات الضيقة.



mhoshan2000@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد