Al Jazirah NewsPaper Friday  15/05/2009 G Issue 13378
الجمعة 20 جمادى الأول 1430   العدد  13378
أثر القرآن الكريم في تهذيب السلوك
د. صالح بن عبدالله بن حميد *

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن تهذيب سلوك الأفراد وتوجيهه نحو المثل العليا والمعاني السامية غاية عظيمة وهدف مقصود من غايات ديننا بل إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم جاء لإحياء هذه المعاني في النفوس والسلوك ، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا القُرآنَ يِهدِي لِلَّتِي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبِيرًا} (الآية 9) سورة الإسراء.

وإن مصدر تهذيب السلوك وأساسه وترسيخ المعاني والقيم الإسلامية السامية في النفوس وتعزيزها هو القرآن الكريم ،فعن ،أبي سعيد الخدري أن رجلا جاءه فقال: أوصني فقال: (سألت عما سألت عنه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،من قبلك ،أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل شيء, وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض) رواه الإمام أحمد في مسنده.

إن القرآن الكريم بما له من سلطان على النفوس وأثر في القلوب، وتأثير على المشاعر والأحاسيس، وبما فيه من آيات عظيمة، وتوجيهات حكيمة يورث تربية سلوكية قويمة للفرد وفق منهج رباني حكيم، فلا تعثر أو انحراف بل التزام واستقامة.

إن القرآن الكريم في جملته وتفصيله إرشاد وتوجيه لما يجب أن يكون عليه الإنسان ليأخذ من الكمال بحظ وافر في هذه الحياة. وليعد نفسه لجوار ذي الجلال في حياة أبقى وأرقى قال تعالى: {قَد جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذنِهِ وَيَهدِيهِم إِلَى صِرَاطٍ مُّستَقِيمٍ}(الآية 15- 16) سورة المائدة.

إن للقرآن الكريم أثراً كبيراً على قارئه وحافظه فمنه يستقى الأدب والتهذيب والخُلق الحسن, وهو الذي يدثر صاحبه دثار التقوى ويسربله سربال الإيمان ويلبسه حلل الكرامة والسمو؛ ذلك أن مناجاة الله عن طريق التلاوة والذكر تقوي العزم وتسمو بالنفس، فيبدو إنساناً سوياً، هيناً، ليناً، منشرح الصدر متفائلاً، لا يتقاصر عن خير، ولا يقصر عن غاية قال الله تعالى: {قُل هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء}(الآية 44) سورة فصلت.

القرآن الكريم أساس الفضائل، وقِوامُ الضمائر وهو حياة القلوب وسر السعادة في الدنيا والآخرة؛ بل هو مصدر السعادة الحقيقية وبه تستقيم مسيرة المرء في الحياة فيشعر بالبهجة، والارتياحِ، والأمن.

إن تأثير القرآن الكريم يصل إلى أعماق القلب ونياطه فيغمره بالسعادة والطمأنينة ويحفظه من الأهواء والمغريات وجواذب الشهوات ليرتقي صاحبه إلى درجات التقوى ومنازل الورع.

يُضيء القرآن الكريم لصاحبه جوانب الحياةكلها، ويجعلها أكثر انسجاماً ومنطقية، وأكثر تهيئاً للنموِّ والتقدّم والاستمرارِ، كل ذلك مرهون بالإخلاص والالتزام بالقيم الأخلاقية القرآنية، حتى يعلو صوت الالتزام والاستقامة، وتُرَفرف في أرجائها إشراقات الاتّصال بالله.

يورث القرآن صاحبه الإجلال والتقدير والهيبة فعن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط) (صحيح الجامع 2199).

وتأملوا إلى ما شبه به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قارئ القرآن فيما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر) (رواه البخاري ومسلم).

إن أدب القرآن هو أدب الحياة فالمجاهدة بشرف، والإقبال بتفاؤل، والمدافعة بعقل وحكمة، والسير بقوة الحق، والتعامل بحب، والتعاون بوفاء، والتقدير برحمة ووقار وتواضع، والقوة في القرآن عزة للقوي ورحمة للضعيف، وإنفاق الأموال في السر والعلانية، وكظم الغيظ في الخصام, والعفو عن الناس والمسامحة، وتأدية الأمانات إلى أهلها, ورد التحية بأحسن منها أو ردها، والوفاء بالعهد وعدم الخيانة, وصلة الأرحام والبر بالوالدين، والتثبت في الكلام واجتناب الكبر والاحتيال كل هذه القيم السلوكية الإسلامية وأمثالها هي أخلاق حملة القرآن وأصحابه وهي نعمة عظيمة ومنه جليلة يهدي الله إليها من يشاء من عباده، قال تعالى: {لَقَد أَنزَلنَا إِلَيكُم كِتَابًا فِيهِ ذِكرُكُم أَفَلَا تَعقِلُونَ}الآية (10) سورة الأنبياء.

وأخيراً فإن ما يجمع هذه الشمائل العظام هو ما رواه ?سعد بن هشام بن عامر ،قال: أتيت ،عائشة رضي الله عنها ،فقلت يا أم المؤمنين ، أخبريني بخلق رسول الله ?صلى الله عليه وسلم ، قالت: (كان خلقه القرآن) رواه أحمد في مسنده.

هذه قبسات وإضاءات مختصرة عن أثر القرآن في تهذيب السلوك أحسبها مفيدة للطلاب وحفظة القرآن وقارئيه.

وفي الختام فإن هذا القرآن العظيم هو شرف الأمة وعزها وهو طريق نصرها وعلوها، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكرٌ لَّكَ وَلِقَومِكَ وَسَوفَ تُسأَلُونَ} (الآية44) سورة الزخرف.

سائلاً المولى القدير أن يبارك في الجهود ويسدد الخطى وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته إنه سميع مجيب.

* رئيس مجلس القضاء الأعلى



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد