لقد كانت مباركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني خير حافز لجهودها وباعث على مواصلتها لأداء رسالتها، فقد جاءت كلماته واضحة وضافية وتحمل من المعاني الكثير مما ينهض بهمم الرجال الأوفياء لواجباتهم ومسؤولياتهم نحو وطنهم، فقد تضمنت وثيقة مباركته يحفظه الله لهذه المؤسسة التي تمثل صرحاً من صروح الوطن (يسرني أن أبارك جهودكم في بناء شراكات استراتيجية مع قطاعات العمل بتشغيل معاهد تقنية متخصصة لإعداد شباب الوطن في المجالات التقنية والمهنية، سدد الله خطاكم لرفعة الدين والوطن).
لقد كانت هذه الكلمات التي تبارك الجهود فاتحة أيضاً للمزيد منها على سبيل الخير والنماء والعطاء، ودافعة نحو بذل الفكر والجهد من أجل هذا الوطن وصالح أبنائه في الحاضر والمستقبل، لقد جالت هذه الكلمات بأذهاننا ونحن نطلع على بعض ثمرات جهود المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني خلال زيارة قصيرة كان لي شرف المشاركة فيها تلبية لدعوة من معالي محافظ المؤسسة الدكتور علي بن ناصر الغفيص الذي كانت دعوته الكريمة بداية حقيقية وخطوة مشكورة ليقف الإعلاميون والمهتمون في هذا الوطن على حقيقة ما يقدم هذا الصرح العالي التدريب من جهود متواصلة في ميدان التدريب التقني والمهني بالمملكة، حتى ان المتابع المنصف لهذه الجهود، يقف وبسهولة على حجم التحديات التي لا يقدر على مواجهتها إلا رجال مخلصون أوفياء في هذه المؤسسة التي يرأس مجلس إدارتها معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي وينوب عن معاليه معالي محافظ المؤسسة ويضم مجلس إدارتها نخبة من رجال الوطن المتخصصين الأوفياء، وذلك بجانب المسؤولين الأكفياء فيها.
لقد تمكنت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني أن تجعل من نفسها كياناً شامخاً على عظمة الإنجاز، ودليلاً على ما يمكن أن يقدمه المواطن في مختلف المجالات متى وضحت أمامه الرؤية، وتيسرت له سبل تحقيقها فهو قادر بعون الله على مواجهة التحديات وتخطي الصعاب من أجل تحقيق آمال الوطن وطموحاته.
فقد انطلقت جهود هذه المؤسسة من رؤية واضحة تقوم على إسهامها الفاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بتوفير التدريب التقني والمهني لأبناء وبنات الوطن بالجودة والكفاية التي يتطلبها سوق العمل وتحقيق ريادة عالمية تكفل الاستقلالية والاكتفاء الذاتي.
وعلى هذا المنهج السديد سارت برامج المؤسسة وانطلقت نحو تحقيق شراكة حقيقية واستراتيجية مع قطاعات الأعمال في المملكة بمختلف تخصصاتها وميادين عملها للوفاء باحتياجاتها في العمالة المتخصصة ورفع كفاءة العاملين فيها، والسعي نحو توطين التقنية الحديثة المتخصصة وفق أحدث النظم العالمية فكانت شراكات المؤسسة يانعة مثمرة في العديد من التخصصات حتى إنها وخلال فترة قصيرة أنشأت أحد عشر معهداً تخصصياً متطوراً ومتقدماً في ميادين مهمة نحن أحوج فيها إلى المتخصصين وإلى المواطنين المؤهلين الأكفياء، وكان ما شاهدناه من نماذجها خير مبشر على أن المؤسسة قد عقدت العزم على تحقيق أهدافها وتأكيد رسالتها في توفير احتياجات سوق العمل من القوى الوطنية الماهرة المتخصصة في مختلف هذه المجالات، فقد وقفنا ملياً نراقب بفخر واعتزاز كيف يتعامل أبناء الوطن وشبابه مع الخبراء الأجانب ومع التقنية المعاصرة المتقدمة في المعهد العالي السعودي الياباني للسيارات وفي المعهد العالي للصناعات البلاستيكية وكذلك في برنامج جنرال موتورز، وإذا كانت هذه نماذج مما تقوم به المؤسسة في مجال الشراكات التي تقيمها قوية مع مؤسسات المجتمع فإن هناك العديد منها في مجالات خدمات البترول وتقنية البناء وتقنية الإلكترونيات والتعدين والمياه والكهرباء وغيرها، إضافة إلى العديد من الميادين التي تحتاج فيها إلى المتخصصين والعاملين المتدربين من أبناء هذا الوطن.
لقد تمكنت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني خلال فترة قصيرة من الزمن أن تؤدي خدمات وطنية عظيمة وجليلة في التدريب التقني والمهني عبر الكليات التقنية المنتشرة في أنحاء المملكة وأن تقدم برامج تطويرية عبر مراكزها المتخصصة، كما وجهت اهتمامها إلى التدريب التقني الفعّال للفتيات وفق التخصصات التي تناسب طبيعة البنات لتخدم احتياجات سوق العمل النسائي بالمملكة في إطار من الحشمة والوقار التي تتماشى وخصائص مجتمعنا وأصالته.
وأمام هذا الكم الضخم من الإنجازات لهذا الصرح الوطني الكبير وحرصه على تحقيق الجودة والنوعية فيما يقدم فإن التحدي لا يزال ماثلاً أمامها لمعالجة الخلل في تركيبة العمالة في المجال الصناعي بالمملكة الذي يشكو من ارتفاع نسبة العاملين غير السعوديين حتى تصل في بعض التقديرات إلى أكثر من ثمانين في المائة 80% وتزداد خطورة تلك النسبة إذا علمنا أنهم ممن يحملون شهادة المتوسطة فما دون.
إن هذا التحدي يقابله أيضاً تحدٍ أكثر حدة وخطورة لأنه يتسبب في إحجام المتدربين من أبناء الوطن عن الانخراط في سوق العمل متمثلاً في انخفاض الرواتب التي يتقاضونها مقارنة بما يحصل عليها غيرهم من الأجانب.
إن هذا التحدي يجعلنا أمام واجب المناداة والمطالبة لشركات ومؤسسات القطاع الأهلي بأن يعيدوا النظر في حساباتهم ليجعلوا أبناء الوطن في المنزلة التي يستحقونها ليواجهوا متطلبات الحياة فلا يبخلون عليهم بالراتب المناسب الذي يحقق لهم بعض طموحاتهم في الحياة إن واجب الانتماء والمواطنة يفرض على أصحاب رؤوس الأموال أن يجعلوا أبناء الوطن في قمة اهتماماتهم، فقد أفسح لهم هذا الوطن المجال وهيأ لهم الفرص السانحة للاستثمار، وها هم شباب الوطن من الخريجين والمتدربين وقد صاروا منافسين حقيقيين لقرنائهم فلنفسح المجال لهم، ولنقف بجوارهم وهم يواصلون التنمية والبناء فلا تبخلوا عليهم بما يستحقون من أجر حتى تكتمل منظومة البناء بسواعد أبناء الوطن، فإذا كانت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني قد تمكنت خلال فترة وجيزة من إثبات ذاتها وترسيخ كيانها فإن الواجب على المؤسسات والشركات أن تكون معها أداة مشاركة في البناء المتواصل وليست أداة طاردة للخريجين المتدربين من خلال الرواتب التي يجب أن يعاد النظر فيها حتى تشتد السواعد ويتواصل العطاء وتستمر مسيرة البناء.
(*) وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام - سابقاً –