Al Jazirah NewsPaper Friday  05/06/2009 G Issue 13399
الجمعة 12 جمادىالآخرة 1430   العدد  13399
حكم العنف الأسري شرعاً ونظاماً
سعيد بن عوض الأسمري

 

لا ريب أن رب الأسرة راع وأسرته رعية وهو مسؤول عن رعيته يرشدهم ويربيهم تربية إسلامية من جميع النواحي لأن المسلم مكلف بهداية وإصلاح نفسه أولاً وهداية أهله وإصلاح بيته ثانياً ولأن الأسرة هي نواة الجماعة المسلمة والبيت المسلم هو الخلية التي ينبثق منها المجتمع، فصلاح المجتمع المسلم أساسه صلاح البيت بالراعي والرعية وكما أن الإسلام دين عقيدة وعبادة لرب العالمين فهو دين أسرة ينظمها ويهذبها ويقيمها على المنهج الإسلامي الصحيح حتى تكون الأسرة قلعة متماسكة من داخلها محصنة في ذاتها قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) يقي المسلم نفسه ويقي أهله من نار حطبها جثث بني آدم وحجارة جهنم يقي نفسه وأهله بإقامة الصلاة ويأمر أهله بها امتثالاً لأمر الله جل ذكره (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)، وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم مروا أولادكم للصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع وإلى جانب ذلك يكون الرجل قدوة حسنة لأهل بيته على خلق عظيم يحترم كبيرهم ويرحم صغيرهم، كبير الأسرة كالوالدين قرن الله تعالى حقه بحقها قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وقال صلى الله عليه وسلم رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين ويرحم أطفاله ذكوراً وإناثاً بالمودة والعطف والشفقة كقول نبينا صلى الله عليه وسلم (من لا يرحم لا يرحم)، وجاء رجل من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتقبلون صبيانكم قال نعم فقال الإعرابي إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم فقال صلى الله عليه وسلم، أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة وكذلك العدالة بين أولاده في العطية والنحلة الذكر مثل حظ الانثيين حتى يكونوا في بره سواء حتى القبلة لا يقبل أحداً دون الآخر ولا صغير دون كبير ولا ذكر دون أنثى وأهم من ذلك كله معاملة زوجته معاملة حسنة ويوصيها بتقوى الله والقيام بحق الله تعالى ثم بحق زوجها ورعاية أطفالها لكونها هي المربية المباشرة والزوجة شريكة حياة الرجل لها حقوق وواجبات وعليها مثل ذلك لقول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ولله الحكمة البالغة في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر ملبياً لحاجته الفطرية وتشتغل مشاعرهم بتلك الصلة بين الجنسين وبتلك العواطف الجياشة فتحصل راحة القلب ويحصل استقراراً للحياة والمعاش قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، فتعاون الزوجين على أمور دينهما ودنياهما وتربية الأنجال أساس لنجاح الحياة الزوجية.

لقد عني الإسلام بالمرأة ورفع شأنها بعد ما كانت في الجاهلية تلاقي من العنت ما يتفق وغلظ الجاهلية وانحرافها عن الأخلاق الحسنة وتجاهلها حقوق الإنسان كإنسان قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم كما تحب هذه الصفات أيها الزوج منها وملاطفة النساء والصبر على ما لا يستقيم من أخلاقهن خلق حسن جاء به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (استوصوا بالنساء خيراً وقال خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم لنسائه أنه جميل العشرة دائم البشر يداعب أهله ويتلطف بهن ويوسع نفقتهن ويضاحك نساءه وقد سابق زوجته عائشة فسبقته ثم سابقها أخرى فقال هذه بتلك قلت إنه يجب على الرجال المسلمين أن يكونوا هكذا عملاً بقول الله جل ذكره: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ومما يدل على إكرام المرأة أن الله سبحانه وتعالى أنزل في النساء سورة كاملة وسماها سورة النساء بما يرد تشدق المتشدقين وتمويه الكاذبين الذين يزعمون حرية المرأة والواقع أن هدفهم حرية الوصول إلى المرأة لتكون هدفاً للراشقين ويطمع فيها الذي في قلبه مرض كما هو حال الجاهلية الحاضرة بما لا يتفق مع عزها وصيانتها ولسنا بحاجة إلى استعارة أخلاق غربية أو شرقية بل في منهجنا وشرعتنا غنى كاملاً والحمد لله ومع هذه الأدلة التي ذكرتها آنفاً نسمع ونقرأ العنف الأسري عنف بعض الرجال وأخلاقه السيئة على أطفاله وعلى نسائه أيضاً بالضرب والشتم والتلفظ بألفاظ تجرح القلوب حتى ان بعض الرجال حينما يدخل بيته ويسمع أهل بيته صوته يهرب منه الأطفال ويندسون في زوايا المنزل خوفاً من سطوته وعنفه فمن كانت هذه حالته ومعاملته بأهله ورعيته حرياً به أن يسمى وحشياً لأنه فقد الإنسانية فضلاً عن أخلاق الدين والحياء حيث استعمل بعض الناس العنف البدني والمعنوي والنفسي، الأمر الذي عاد سلباً على الأسرة مستقبلاً، وذلك بضرب شريكة حياته أمام أطفالها الصغار مما أحدث لبعضهم مرضاً نفسياً يندى له الجبين ويحزن له القلب الحزن دون حياء ولا خوف من رب العالمين ولقد سمعنا بالأخبار المتواترة أن سبب أكثر العنف الأسري تعاطي مسكر أو مخدر دون خوف من الله أو حياء من الناس وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)، الأمر الذي يوجب على كل مسؤول وكل مواطن أن يحارب انتشار هذه الأمراض الفتاكة آفة العصر التي أهلكت الأبدان وهلوست العقول بما لا يتفق مع مملكتنا مملكة الإنسانية جمعاء بل ومع كرامة الإنسان العقلية التي تميزه عن سائر المخلوقات كما أن تعاطي هذه الأوساخ قد جر بعض مرتكبيها إلى ضرب شريكة حياته من دون مبرر شرعي يجيز له ضربها، وقد يستدل بعض الجهلة بالآية الكريمة: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}.

قلت إن المعتدي على أهل بيته قد أخذ من الآية ما يوافق هواه ويطابق طبعه اللئيم حيث اختار الضرب وأعرض عن التوجيه الإلهي فإن الله جل ذكره قال: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أي من وجد من زوجته ارتفاعاً عليه ومعصيته له فيما أوجب لله له عليها فيأخذ بالتدرج الوعظ فإن لم تتعظ فيهجرها ولا يضاجعها جنسياً لعل ذلك يكون تأديباً لها وترجع إلى جادة الصواب فإن فشل في هذا وذاك فيضرب ضرباً غير مبرح تأديباً لا تأنيباً من دون استعمال العصا أو أي آلة أخرى لعلها تعرف حق الزوج بالسمع والطاعة حيث قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) من عظم حقه عليها ومن حقه عليها أن تجيبه إلى فراشه فإن لم تجب بلا عذر شرعي لعنتها الملائكة حتى تصبح كما جاء الحديث بذلك كما أن من حق المرأة قول الرسول صلى الله عليه وسلم تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تهجر إلا في البيت وصدق الله حيث قال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فإذا عرف كل من الزوجين حق صاحبه استقامت الأمور وحسنة العشرة وطابت العيشة ولكن تجد بعض الأزواج رجلاً أو امرأة يتهجم لصاحبه ويخاطبه بالألفاظ المنفرة ويكش في وجهه في حين أنه مع الآخرين يحسن أخلاقه وتلين عريكته ويبش وجه سروراً وجملة القول إن لكل إنسان ذكراً أو أنثى حقوقاً يجب أن تراعى وله الحق أن يزاولها بنفسه في حدود الشرع والواقع.

ولقد أحسن ولي أمرنا أيما إحسان في تبني مبادرة مؤسسة الملك خالد الخيرية رحمه الله في مشروع نظام الحد من الإيذاء، وذلك أن تتولى حماية حقوق المرأة والطفل هيئة ترتبط برئيس مجلس الوزراء حفظه الله إيماناً بحقوق الإنسان وبكرامة الفرد والمجتمع في جو من الحرية والمساواة.

ويجدر بنا في هذه المناسبة أن أشيد بما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من شهر ديسمبر كانون الأول عام 1948م الموافق لعام 1368ه، وهذا الإعلان يتكون من ثلاثين مادة نقتبس منها ما يخص موضوع الأسرة الذي نحن بصدده، ففي المادة الأولى يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء، وفي المادة الثانية لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دون أي تفرقة بين الرجال والنساء، وفي المادة الثالثة لكل فرد حق في الحياة والحرية وسلامة شخصيته، وفي المادة الخامسة لا يتعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية التي تحط من كرامته، وفي المادة السابعة كل الناس سواسية أمام القانون والتمتع بحماية متكافئة دون أي تفرقة أو تمييز، وفي المادة الثامنة لكل شخص حق في أن يلجأ إلى المحاكم لإنصافه من أعمال الاعتداء والمحكمة تنظر قضيته نظراً نزيهاً عادلاً، وفي المادة السادسة عشرة للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج لهما حق التزوج وتأسيس أسرتهما ولا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين رضاءً لا إكراه فيه، وفي المادة الخامسة والعشرين للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين حيث ينعم كل الأطفال بالحماية الاجتماعية نفسها، وفي المادة السادسة والعشرين تتضمن حق التعليم لكل فرد وللآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم.

قلت إن هذا النظام الأسري تشهد له نصوص الشريعة الإسلامية لمن تأملها ولقد قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً والله أسأل أن ينقذ جميع الناس من العنف الأسري وأن يجعل محله التعاطف والتلاطف والرحمة التي حث عليها ديننا الحنيف وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد