Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/06/2009 G Issue 13400
السبت 13 جمادىالآخرة 1430   العدد  13400
تبعد عن جدة 110 كيلومترات وصداها تجاوز القارات الخمس
ثول.. من صيد الأسماك إلى منارة للعلم بأكبر جامعة للمعرفة

 

جدة - فهد المشهوري - تصوير أحمد قيزان

كما غيّر النفط وجه المنطقة الشرقية، فإنّ »ثول«، التي تبعد عن جدة 110 كيلو مترات وينهمك ما تبقى من سكانها بصيد الأسماك، وتعيش بوداعة وبساطة على ضفاف البحر الأحمر، تشهد هذه الأيام انطلاقة نحو مستقبل لم تكن تحلم به، فثول الوادعة، التي تتزايد حاجاتها الإنمائية، وجدت نفسها فجأة تحتضن واحداً من أكبر المشاريع العلمية والاقتصادية في المملكة ، وفتحت عيونها ذات صباح لتجد جرافات وشاحنات وجحافل المهندسين والعمال والمقاولين، يذرعون أرجاءها ويسوون الأرض لتشييد واحد من أكبر الصروح العلمية في منطقة الشرق الأوسط.

ولم تعد ثول من الآن فصاعدا قرية منسية تسترخي على ساحل البحر الأحمر تسامر الأمواج وتستعيد مشهد الصيادين العائدين مع مغيب الشمس من رحلة الصيد وهم يرددون مواويل العودة إلى بر السلامة، فقد تشرفت هذه القرية الساحلية بدخولها إلى العصر التقني عبر جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وطوت بذلك صفحة من النسيان وفتحت أحضانها لهذا المنبر العلمي الكبير وتحولت القرية الصغيرة المنسية إلى مدينة عالمية تعج بالحياة وتستشرق آفاقاً عالمية بأكبر جامعة للمعرفة، إذ إنها سوف تتحول في الغد إلى واحة للعلم تجتمع فيها عقول العالم وأكثر الموهوبين لصنع ملحمة العلم والتقنية.

وكانت (ثول) التي لم تكتحل عيونها سابقاً برؤية الوجوه الأجنبية، تفتح ذراعيها لاستقبال الشركات العالمية التي كرّست خبراتها وطاقاتها لتشييد جامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز، كأحد أبرز المعاهد العلمية. وليس بعيداً عن (ثول) تقع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، وكذلك مشروع بترورابغ العملاق. وبلدة ثول يسكنها قبيلة الجحادلة من زبيد من حرب وبعض القبائل الأخرى من حرب من قديم الزمان، ويوجد في ثول مرسي الصيادين وبه يستخرج أجود أنواع الأسماك من البحر الأحمر. وهي تشتهر بصيد السمك. وقد مرّ الرسول صلى الله عليه وسلم في طريق هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة عبر وادي ثول.

تقع (ثول) على ساحل البحر الأحمر بطول 35 كيلو متراً تقريباً، وتعد مرفأ كبيراً لقوارب الصيد ورحلات الغوص، وتبعد عن جدة 110 كلم شمالاً، وعن ذهبان 45 كلم، وعن رابغ 60 كلم، وهي تتوسط المسافة بين جدة جنوباً ورابغ شمالاً. وكانت ثول تعرف سابقاً باسم (الدعيجية)، وثول، هو اسم الوادي المحيط بالبلدة من جهات الجنوب والشرق، ولكن غلبت هذه التسمية مؤخراً على البلدة فأصبحت تعرف ببلدة (ثول) نسبة إلى الوادي. وكانت حرفة أهالي ثول منذ القدم، هي الغوص وصيد الأسماك، وتصديره للبيع. منازل (ثول) المتناثرة التي يغلب عليها البساطة، تحتضن نحو عشرة آلاف من سكانها، في حين نزح الآلاف إلى مدينة جدة القريبة، حيث فرص العمل والاستثمار.

وإلى الشمال من (ثول)، يقع ميناء (القضيمية)، وهو ميناء ظل يستخدم في الثمانينات، قبل أن يتم تعليق العمل فيه، وتجري اليوم الاستعدادات لإعادة فتحه لكي يخدم مشروع الجامعة وكذلك مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

ومع افتتاح المشروع، خلال الأشهر المقبلة ستجد (ثول) نفسها قبلة للعلماء والباحثين والطلاب الذين يقصدون جامعة الملك عبد الله، كما ستستضيف مئات العائلات من جنسيات مختلفة يضمهم الحرم الجامعي، وهو ما يوفر للقرية الوادعة فرصة للانفتاح على العالم الخارجي.

(الجزيرة) كانت في جولة على مدينة ثول رصدت من خلالها التغيرات التي شهدتها ثول خلال العامين الماضية، حيث تركز التطوير في موقع الجامعة والكورنيش، ولم تشهد أحياء ثول أي تغير يذكر، واعتبر عبد الله بن سعيد الجحدلي (أحد سكان ثول) أن ما تشهده ثول من تطور منذ دخول الجامعة لم يكن على المستوى المطلوب، ففي حين أوشكت الجامعة على الانتهاء وبدأ استقبال طلابها، لا تزال ثول تغرق في العشوائية بالرغم من توجيهات خادم الحرمين الشريفين بتطويرها وجعلها مدينة نموذجية، حيث تخلو ثول من أي بنية تحتية فطرقها متهالكة والكهرباء غير موجودة بالشكل الصحيح، ولا يوجد صرف صحي ولا مياه تحلية، والمستشفى لا يزال مشروعاً في الخيال، وطالب الحجدلي بربط جميع المناطق المجاورة لثول بمجمع كامل لجميع الدوائر الحكومية ومراكز للشرطة، بالإضافة إلى إيجاد آلية قضائية عن طريق مندوب من المحكمة والإمارة لإصدار الصكوك على الأراضي والمنازل، فمن المعروف أنّ 80 في المائة من المنازل لا توجد عليها صكوك .. في حين يرى ممدوح الجحدلي (أحد شباب ثول) أن على البلدية إعادة النظر في مجرى السيل وأن يكون هناك دراسات من أهل الخبرة والمعرفة بمجرى السيل ولا يكون اجتهاداً من قبل البلدية فقط حتى لا تقع أخطاء مثل ما حصل في جدة، مشيراً إلى أن المردم الذي تعمل البلدية على إقامته أمام الجامعة يعتبر منظر غير حضاري خصوصاً وأنه على واجهة الجامعة وعند مداخلها، وشدد عبد الله على ضرورة توزيع منح على الشباب المقبل على الزواج من أهل ثول حتى يستطيع بناء حياته.

من جهة كشف رئيس بلدية ثول الفرعية المهندس مرعي المغربي ل(الجزيرة) عن تشكيل للجنة جديدة لإسكان ثول مكونة من أمانة جدة ومشايخ ثول، حيث يتم العمل حالياً على إعداد دراسة للإسكان وذلك بمساعدة أهل ثول، حيث تركز اللجنة الجديدة على أخذ مرئيات السكان حول المشروع الجديد بعد اعتراضهم على مشروع إحلال المنازل العشوائية بثول بمساكن حديثة تربط بالبنية التحتية والعناصر التطويرية المتكاملة التي ستنفذها شركة أرامكو، وستشغل الأحياء الحديثة مواقع الأحياء العشوائية القديمة والساحات المتداخلة معها، كما لم يستبعد المغربي إلغاء فكرة الإسكان في حال استمرار سكان المنطقة في معارضته.

وطالب المغربي بحماية صارمة للأراضي الفارغة وذلك بعد كثرة التعديات الكثيرة عليها من قِبل السكان، مشدداً على ضرورة تقديم الحماية الوجستية من قِبل الجهات الأمنية بعد التجمهر من قِبل المعتدين على لآليات التعديات، وأضاف مغربي بعدم صحة تهجير الأهالي من ثول حيث كانت مبادرة السابقة تقترح تشييد إسكان بديل للأهالي في البرحات الكبيرة التي تتخلل الأحياء القائمة الذي تم عرضه على معالي الأمين، ثم تم عرضه أيضا على شيوخ القبائل بثول.

كما أكد مغربي على أنه تمت معالجة تداخل موقع الجامعة مع ما يقرب من 1000 قطعة أرض مملوكة بصكوك شرعية (مخططات منح سابقة) فخلال سنة تمت إزالة التعديات وتخطيط واعتماد مخطط بديل مجاور للجامعة داخل أحياء ثول وتبتيره، ويتم حالياً تسليم قطع أراضيه، بالإضافة إلى تخصيص أراض حكومية للتعويض عن قيمة المباني التي كانت منفذة داخل حرم الجامعة.

وأكد رئيس بلدية ثول الفرعية أنه تم استغلال حفرة عميقة تولّدت من أعمال حفر عشوائي قديم موجودة بجوار الجامعة لدعم مقاولي الجامعة بتهيئة مردم كاف ومنظم عن طريق محطة أخرى لإدارة مراقبة الناقلات للتخلص المنظم من مخلفات البناء والردميات الناتجة من أعمال الحفر الهائلة بالجامعة، وفي نفس الوقت تلافي رمي مخلفات البناء العشوائي بثول، مشيراً إلى طرح مناقصة تقوم بموجبها إحدى الشركات المتخصصة في إعادة التدوير هذه المخلفات قبل الانتهاء من مشروع الجامعة.

وفيما يخص تطوير ضاحية ثول أشار المغربي إلى أنه بناءً على أمر خادم الحرمين الشريفين بتكليف شركة أرامكو بتطوير ضاحية ثول بما في ذلك إنشاء كورنيش بديل ومرسى للصيادين وسوق السمك على مستوى عالمي، والذي قطعت في تنفيذه الشركة شوطاً كبيراً، كلف أمين محافظة جدة المهندس عادل فقيه فريق عمل بالأمانة يرأسه وكيل الأمين للخدمات مهمته تقديم المساندة الفنية لفريق شركة أرامكو، حيث ستقوم الأمانة بعمل مخطط عام لكامل أراضي ثول.

وأضاف رئيس بلدية ثول الفرعية أنّ ضاحية ثول ستحتضن مدينة الملك عبد الله الرياضية، وتم اختيار موقعها لسهولة الوصول إليه من باقي المدن المحيطة بالمنطقة, فهو نقلة حضارية جديدة يساهم في إحداث نهضة رياضية ضمن منظومة النهضة الشاملة التي تعيشها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين في كافة المجالات.

وأضاف أنّ الأمانة تجري حالياً دراسة إنشاء منطقة صناعية بمخطط ثول (شرق الخط السريع) تقدر مساحتها بتسعة ملايين متر مربع بهدف جذب الاستثمارات الصناعية إليها، ويستهدف اختيار منطقة صناعية بثول دعم الاستثمار وتوطين السكان فيها وإيجاد مئات فرص العمل لشباب المدينة وأبنائها.

وحول ما تردد بخصوص وجود بحيرة للصرف ستغرق ثول شرق الضاحية، أوضح المغربي أنه كان يوجد مستنقع لمياه الصرف شمال شرق ثول في الجزء الذي كان يتبع بلدية رابغ، وحال معرفة الفرع بأن تلك المنطقة ستضم للفرع، سارع في الكتابة لوكيل الأمين للخدمات الذي وجّه بردم المستنقع منذ 6 أشهر تقريباً، وفعلاً تم الردم وإن كانت هناك بعض المخالفات، فقد وجهت الأمانة بإنشاء مركز لإدارة مراقبة الشاحنات مما قضى على المخالفات، والآن تم ردم المستنقع بالكامل .. وأضاف أنه حدث عطل بمحطة تحلية جامعة الملك عبد الله أدى إلى تسرب المياه الناتجة من المحطة إلى خارج حدود الجامعة، وهي أشد ملوحة من مياه البحر وتقدمت الشركة المختصة بالجامعة لتوضيح المشكلة واستعدادها لحلها خلال أيام معدودة، ثم تعاونت البلدية الفرعية مع شركات الجامعة لردم تلك المياه المالحة، في الوقت نفسه قامت شركات الجامعة بسحب المياه بالوايتات، والآن الموقع مردوم تماماً بأرضية خاصة بالردم.

جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تفتح أبوابها بعد 4 أشهر

من المقرر أن تفتح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أبوابها في شهر سبتمبر 2009 أي بعد أربعة أشهر من الآن وهي جامعة أبحاث عالمية على مستوى الدراسات العليا يجري إنشاؤها في المملكة وتكرس جهودها من أجل انطلاق عصر جديد من الإنجازات العلمية في المملكة والمنطقة والعالم. وبوصفها جامعة مستقلة قائمة على الجدارة، فسوف تستخدم الكثير من أفضل الممارسات المعمول بها في جامعات الأبحاث الرائدة من أجل تمكين صفوة الباحثين من أنحاء العالم ومن مختلف الثقافات من العمل معاً لإيجاد الحلول المناسبة للتحديات العلمية والتقنية. كما ستسهم شبكة الأبحاث والتعليم العالمية في الجامعة في دعم المواهب المتنوعة سواء داخل الحرم الجامعي أو في الجامعات والمؤسسات البحثية الرائدة الأخرى من خلال اتفاقيات للتعاون البحثي وبرامج الهبات والمنح الدراسية للطلاب. وسوف تعتمد جامعة الملك عبد الله الجدارة أساساً لجميع أنشطتها، وترحب بالرجال والنساء من جميع الثقافات حول العالم، ويشغل حرم الجامعة الرئيس مساحة تزيد على 36 مليون متر مربع في ثول على ساحل البحر الأحمر.ويجري بناء (جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية) التي سيخصص لها وقف مالي من أكبر الأوقاف المخصصة للجامعات في العالم، والتي سيشرف عليها مجلس أمناءٍ مستقل، الجدير بالذكر أنّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كان قد كلّف المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية ليكون المسؤول الأول عن إنشاء الجامعة.

وتتجه الجامعة بقوةٍ إلى أن يكون فيها مزيجٌ عالمي متنوعٌ من الباحثين والعلماء المرموقين، وكذلك من أعضاء هيئة التدريس والإداريين والطلاب، كما ستعكس بنيتها الأكاديمية وأنظمتها وبرامجها أرقى ما هو مطبقٌ في عددٍ من أفضل جامعات البحوث في العالم.

ويتألف الهيكل الأكاديمي لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية من أربعة معاهد للبحوث، يضم كل واحد منها مراكز بحوث تكرس لمجموعة معينة من القضايا أو التحديات التي يمكن أن تُفيد من الدراسة العلمية والتقنية المركزة. والمعاهد الأربعة هي:

- معهد الموارد والطاقة والبيئة: ويضم مراكز تكرس، مبدئياً، لبحوث الطاقة والمياه والتنمية المستدامة، - ومعهد العلوم والهندسة الحيوية: ويضم مراكز تنصب جهودها على العلوم الحيوية البيئية، والتقنية الحيوية الصناعية، والتقنية الحيوية الزراعية، وعلوم وتقنيات الصحة، - ومعهد علم وهندسة المواد: ويضم مراكز تهتم بالموضوعات المتعلقة بالبوليمرات، والأغشية والمواد المستخدمة في تقنية النانو، والكيمياء الحفزية، والمواد التي تستخدم في الأوساط عالية الإجهاد، - ومعهد الرياضيات التطبيقية وعلم تحليل المشكلات باستخدام الحاسب الآلي: ويضم مراكز تنصب جهودها حول تقنيات البرمجيات اللغوية وتطوير اللغويات الحاسوبية، والابتكارات في مجال تقنية المعلومات.

وسوف تُجرى بحوث جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في حرمها الجامعي في المملكة، وكذلك في عددٍ من مؤسسات البحوث العالمية الرائدة؛ من خلال برنامج منح عالمي نشطٍ وتقدر ميزانية برنامج (شراكة جامعة الملك عبد الله العالمية للبحوث)، على مدى السنوات العشر القادمة، بحوالي مليار دولار، تُمنح على أساس تنافسي لمؤسسات تعاونية أخرى ولباحثين في مجالات: المفاهيم المتطورة لتحلية المياه وإمداداتها، واستخلاص الكربون، وأنواع الوقود الغنية بالهيدروجين، والتقنية الحيوية الصناعية، والكيمياء الحفزية والبوليمرات، وتقنيات البرمجيات اللغوية، وتطوير اللغويات الحاسوبية؛ وعلم تحليل المشكلات باستخدام الحاسب.

كما ستطلق الجامعة أيضاً برنامج (منح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لعلماء الاكتشافات)؛ وهو برنامج يهدف، إلى اكتشاف ورعاية الطلبة المتميزين في السنتين الأخيرتين من دراستهم الجامعية لمرحلة البكالوريوس. وسوف تغطي المنح الدراسية التنافسية المقدمة لهؤلاء الطلبة نفقات الدراسة والمسكن والمأكل لعدد يصل إلى 250 طالباً من أنحاء العالم، على أساس أن يواصل الحاصلون على المنح دراساتهم العليا في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

أما (برنامج الملك عبد الله لدعم العلماء) فسيتولى رعاية عددٍ من الطلاب المتميزين، في الجامعات المرموقة في أنحاء العالم، الذين لن ينتظر منهم أن يلتحقوا بالدراسة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وإنما سيكونون ممثلين لها في مؤسساتهم التعليمية في أوطانهم، كما سيدعون لحضور الندوات والمناسبات البحثية المهمة التي تقام في الحرم الجامعي، وستتاح لهم أيضاً فرص إجراء بحوث في الإجازة الصيفية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية مع ما يتعلق بهذا من فرص التطوير المهني.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد