كل المجتمعات المتحضرة في دول العالم لها خطط استراتيجية في مواكبة التطورات الحديثة للتقنية، والتي تخدم الحياة بشكل عام، بداية من الصناعات التقليدية إلى صناعة الأقمار الصناعية مروراً بثورة الاتصالات الرقمية وصناعة الحاسب الآلي بقفزاته الرهيبة وثورة القرن باتجاه تقنيات النانو والقادم من العلوم قد يكون مستحيلاً حالياً وواقعاً في المستقبل.
ونحن كمجتمع سعودي أحد تلك المجتمعات التي تهتم بهذا الجانب الذي تشجعه الحكومة بتوجيهات مباشرة من قيادات هذا البلد، ممثلةً في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -، ولا سيما أن الكل يعرف اهتماماته بالتقنيات الحديثة التي تخدم البلد، ومنها تقنية النانو ومشروع تطوير التعليم الذي رصد له الكثير من المبالغ للسير قدماً.
والمجتمع السعودي لا تنقصه الطاقات الشبابية والمادية ولا حتى التشجيع من قبل الحكومة، كما أسلفنا سابقاً، ولكن السؤال كيف نتطور تقنياً؟
والإجابة عن هذا السؤال بيد التعليم بشقيه المتمثل في وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، فكلاهما مسؤولان عن التطور العلمي والتقني؛ فمن ناحية وزارة التربية والتعليم تعتبر هي حجر الأساس في تكوين علم وثقافة الطالب والطالبة، ومسؤولية الوزارة تتمحور حول تهيئة الطلاب للدخول في عالم التقنية جنباً إلى جنب مع العلوم الأخرى، خصوصاً أن المفهوم الجديد في عصرنا الحاضر هو (التقنية في خدمة العلوم)، بمعنى آخر أن مخرجات التعليم لا تلبي احتياجات سوق العمل؛ أي أن غالبية الطلاب من بنين وبنات، المتخرجين من الثانوية العامة، غير مؤهلين لتحديد وجهتهم، سواء كانت مهنية أو مواصلة التعليم الجامعي إلا القليل جداً، ومع ذلك يصطدمون بالشروط التعجيزية لقبولهم في التخصصات التي تلبي احتياجات السوق كطلب الخبرة في نفس المجال والتي لا تقل عن خمس سنوات؛ فمن أين يأتي بها؟ وما أريد أن أصل إليه هو أن جميع الخريجين في التخصصات مثل: الاتصالات، المساحة، نظم المعلومات الجغرافية، الهندسة أو غيرها ليس لديهم الوقت الكافي بمرحلة التطبيق للتعرف على التقنية عملياً وإعطائهم وقتاً كافياً للتمكن من التخصص، والعمل بهذا يعطي المتخرج ميزة أنه يعرف - على الأقل - كيفية العمل وإتقانه بنسبة تؤهله للعمل والاستمرار في هذا الاتجاه؛ وبالتالي تقل نسبة مخاطرة القطاعين العام والخاص في توظيفه وترفع من مستوى التأهيل للعاملين في الدولة؛ وبالتالي يتحول المجتمع إلى مجتمع منتج عملياً.
والأمثلة كثيرة، منها الهند التي أصبحت تمثل نحو 10% من السوق العالمي في البرمجيات، وهذا لم يأتِ إلا باهتمام الدولة بقاعدة التعليم وتهيئة المجتمع؛ لكي يصبح مجتمعاً منتجاً لحاجاته وسدها إقليمياً. وهناك الكثير من الأشياء التي يجب على وزارة التربية والتعليم الأخذ بها للتقدم إلى الأمام، منها - على سبيل المثال - التركيز على التقنيات الحديثة ومتابعة تطوراتها من خلال طرحها كبرامج يمكن دمجها تدريجياً مع المناهج، مثلاً تقنية نظام المواقع العالمي GPS فإن قطاعاً كبيراً من المجتمع إن لم يكن يعرف تلك التقنية فقد سمع بها؛ لذلك فإنها ستكون جزءاً من الحياة اليومية في المستقبل القريب؛ لذلك لماذا لا تدخل في المناهج كمادة تثقيفية بداية؟ على الأقل لمعرفتها في المراحل الأولى؛ لأن ذلك يزيد من تحفيز المتعلمين لمعرفة المزيد عنها، وقس ذلك على التقنيات الأخرى، وفي مراحل متقدمة يكون هناك تمرين عملي للمتعلمين لاستخدام تلك التقنيات؛ لكي تستوعبها الأجيال وتصبح شيئاً مألوفاً لديهم؛ وبالتالي ينعكس على جانب الابتكار والتطوير لتلك التقنيات بشكل يمنحنا كمجتمع تطوراً تقنياً قد نسبق فيه الآخرين.
أما من ناحية وزارة التعليم العالي فهي تعتبر حلقة الوصل لتكملة مشوار النجاح الذي بدأت به وزارة التربية والتعليم، ولكن بتركيز واحترافية أكثر من السابق، وذلك من خلال جلب الخبرات وتوطين التقنية كما فعل الدكتور عبدالله العثمان مدير جامعة الملك سعود الذي يعتبر من المجددين في هذا المجال، ويجب توفير الدعم الكامل له، وأرجو من مديري الجامعات الأخرى نهج ذلك الأسلوب في سبيل تطوير التعليم العالي، وذلك من خلال التركيز على التخصص وإعطاء وقت كاف للجانب العملي أكثر من النظري في الجوانب التقنية؛ لأنه هو الأداة التي يمكن بها أن يتخرج المتعلم وهو مهيأ للعمل على الأقل بنسبة 50% والنسبة المتبقية تأتي مع العمل المستمر والدورات التي سيصبح خلالها من المتميزين في مجاله، ويكفي القطاع الحكومي أو الخاص دفع التكاليف الكبيرة لرواتب الموظفين القادمين من الخارج. وأشدد على أن التطور التقني مرتبط بالعوامل السابقة التي ذكرتها في الأعلى، كما أن هناك أشياء كثيرة لا يسعنا الخوض بها في هذا المقال.
وعلى العموم فإن التوجه الذي تنتهجه كل من وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي خلال هذه الفترة ينبئ بمستقبل باهر - بإذن الله -، وأسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يوفق المسؤولين بكلتا الوزارتين إلى الطريق الصحيح الذي من خلاله نستطيع مقارعة الدول الكبرى تقنياً.
E-mail:sshamar@hotmail.com