Al Jazirah NewsPaper Friday  19/06/2009 G Issue 13413
الجمعة 26 جمادىالآخرة 1430   العدد  13413
حولها ندندن
اللغة المكتوبة
د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

 

لا يعلم غير المتخصصين في اللغة العربية مقدار (الألم) الذي يشعر به أولئك المتخصصون في دراسة الفصحى الغالية حينما (يقع شيء من الخطأ في كتاباتهم)، أياً كان مصدر هذا الخطأ، سواء أكان ذلك الخطأ طباعياً، أو خطأ اجتهادياً من مراجع مجتهد فهم الأسلوب فهماً مغايراً لفهم الكاتب له، أو قد يكون مصدر الخطأ الكاتب ذاته، فمتخصص اللغة إنسان عرضة أيضاً للوقوع في الخطأ والسهو أو النسيان والتسرع، ولا سيما في مجال (النص الأدبي) الذي يعد ثوباً فضفاضاً في لغته وأساليبه، وخصوصاً في مجال الأدب المعاصر المنفتح على الآداب واللغات العالمية المختلفة.

هذا على الرغم من أن القارئ على وجه العموم إما قارئ عادي لا يهمه إلا الفكرة فحسب ولا سيما في عصر تعدد المطبوعات وتنوعها فلم يعد لديه من الوقت ما يجعله يتأنى ويدقق، ولا سيما أنه كان غير متعمق في معلوماته اللغوية والنحوية، وإما قارئ واعٍ يعلم الأسباب المتعددة ويلتمس الأعذار المحتملة خصوصاً إذا كان قد سبق له أن خاض التجربة الكتابية، وإما متخصص في الفصحى وعاشق لها فيستخدم أسلوب المعلم الذي يصحح أي نص أمامه بدقة متناهية مشرحاً إياه تحت المجهر، خصوصاً إذا كان من معلمي النحو أو أصول اللغة فهو مدين لسيبويه، تابع للأخفش وابن جني إلى الأبد، والويل كل الويل لمن ينقض قواعدهم النحوية أو الصرفية أو اللغوية التي أسسوها.

وبحكم تخصصي في هذه اللغة العظيمة الدقيقة فإني مدينة بالولاء كل الولاء لها، أو ليست هي لغة القرآن العظيم الخالدة؟ والتي بنى أولئك الرواد أسس علومهم وأصولها وقواعدها على لغة العرب هادفين خدمة كتاب المسلمين المنزل بها، على الرغم من أني عرجت في تخصصي العالي إلى عالم الأدب الفسيح الواسع ولغته المرنة الطيعة لخدمة النص الأدبي الإيجابي وأهدافه المتعددة، ولذا فأهل الأدب يأخذون بمبدأ التسامح والتعايش اللغوي، ولكن في حدود السلامة والاقناع، وهذا رأي المحافظين على أقل الأحوال والتي أتشرف بالانتماء لهم.

ولكن ليس معنى ذلك أن يرضى الكاتب أو الكاتبة بأن يقع في نصوصهما خطأ اجتهادي فادح يغير المعنى تماماً،

ولا سيما أن لغة الضاد لغة دقيقة تغير النقطة والحركة فيها المعنى تغييراً كبيراً، وأحياناً تقلبه رأساً على عقب، وقد حدث لي شخصياً عدة مواقف مؤلمة من هذا القبيل، تجعلني أفقد بهجة العمل الكتابي، فعلى سبيل (المثال لا الحصر): ما جاء في المقال الأخير الذي خصصته لهدف تربوي وهو ضرورة ربط النظرية بالتطبيق من خلال دمج التعليم بالواقع المهني والخلقي بل والحياتي على وجه العموم لإنشاء جيل معاصر نافع، حيث ورد فيه خطأ اجتهد فيه المخرج أو المدقق بوضع كسرتين خاطئتين غير مبررتين تحت حرفي الجيم في كلمتي جَد وجَدة فأصبحتا تعنيان معنيين مغايرين تماماً للجملة المقصودة وهي الجد والجدة بفتح الجيم (لا كسرها)، وقد داعبتني إحدى الأخوات حينما رأتني متضايقة قائلة: (قد يظن القراء أنكم من أهالي القصيم الأعزاء التي يكسر أهلها جيم الجد والجدة فغلبت اللهجة على كتابتك)، وعلى الرغم من أن النكتة محبوكة وفي غاية الطرافة، بيد أنها لم تضحكني لأن حالة الألم التخصصي المعرفي هي التي غلبت على حالي، وليست الأمثلة تقتصر على هذا النموذج، إنما هي آخر عينة أقلقتني ولا تزال عالقة في ذهني.

كذلك هناك نوع آخر من الأخطاء الاجتهادية الإخراجية أو الطباعية التي تركت أثراً قوياً في نفسي، في مقالتي التي عنونتها (برأي المجتمع)، وكنت متحمسة فيه لأهمية الرأي الجماعي الذي يرتكز على الدين والحب في الله والكره فيه، واستخدمت فيها (أسلوب القص مقال) التي يُكتب فيها المقال بطريقة قصصية واقعية، حيث ابتدأت الموضوع بأسلوب قص مباشر يقول: (نظرت المرأة المسنة إلى الشيخ الصالح نظرة يشيع فيها كل الحب)، ولكن يبدو أن أحد المجتهدين اعتقد أني قد نسيت شيئاً فأضاف (كلمة إن) في البداية، وهي الكلمة التي لها توابعها، مما جعل المعنى يبدو مبتوراً، وتغير الهدف المراد وشوه جماله. ألم أقل لكم إنها (لغة اللفظ والمعنى) اللغة العربية فائقة العظمة والدقة والجمال؟ فدعوا كاتبها يتحمل أمانته كاملة تجاهها؟



g.al.alshaikh12@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد