قرأت في جريدة الجزيرة يوم الجمعة الموافق 5-6- 1430هـ العدد 13392 مقالا للأستاذ سلمان بن محمد العمري في زاويته (رياض الفكر) بعنوان: تفاءل تسعد، والموضوع مهم جداً للدارسين والباحثين سواء في الدراسات الشرعية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية، حيث يمثل القلق والكآبة أكبر مهدد للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة، حيث تكلف المجتمع الكثير من بذل الجهود لعلاج المكتئبين، وهدر الطاقات، وتبذير الموارد البشرية الوطنية بين أغلال الحزن وأدوية الكآبة.
حيث تتمثل السعادة الحقيقية في الإيمان بالله عز وجل قضاء وشرعاً، ويحدو هذا الإيمان العظيم التفاؤل في التفكير، والتفاؤل في إنجاز العمل، والتفاؤل في السير في هذه الحياة عموماً، وقد جاء في حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قوله: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، الكلمة الحسنة).
قال ابن عباس - رضي الله عنهما- (والفرق بين الفأل والطيرة من طريق حسن الظن بالله)، قال الحليمي: (وإنما كان يعجبه الفأل لأن التشاؤم سواء ظن بالله تعالى بغير سبب تحقق والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال).
لكن ما الذي حصل للتفاؤل؟
للأسف مع الرفاهية الحديثة والتنمية المعاصرة أصبح متحذراً في الصغير والكبير، والغم منغرساً بين الزوجين، والكآبة تقض مضاجع الأسرة الكريمة، والخوف يلف قلب الأم الرؤوم خوفاً من العقوق، والوطن يرى أبناؤه بين فقر وبطالة وإرهاب وتخريب؟
حتى قيل: هل للتفاؤل مكان في هذا الزمان؟
نعم للتفاؤل مكان، فهو عنوان الصالحين، وسر الناجحين، وفيء العاملين، فهو الكلمة الحسنة، هو الابتسامة المشرفة، وهو الإتقان، وهو البر والإحسان، وهو البناء، وهو التنمية، وهو فعل الخير، وهو رعاية المجتمع، وغير ذلك، فالتفاؤل يدور مع الحياة حيثما دارت، فالتفاؤل عبادة يؤمن بها الإنسان ذكراً أم أنثى صغيراً أم كبيراً، ليواجه بها يومياً كل ما يلقاه في طريقه من فرح وحزن ونصب وتعب ونجاح وفشل فيبتعد الإنسان عن النظرة السوداوية التشاؤمية الكالحة التي تبعث على اليأس والقنوط، ولولا التفاؤل لاستولى اليأس على قلوب الكثير، ولولا التفاؤل لأوقف العجز والهم أعمال الكثير.
ومن خلال ممارستي للتدريس الجامعي رأيت طالبات في عمر الزهور أنهكتهن الهموم والغموم فأصبحن نبتاً يابساً بعد النضارة، وزهرا مرا بعد الجمال، والحلاوة، وما ذلك إلا لفقدهن عبادة التفاؤل في كل صباح مشرق.
فالله تعالى ينعم على العبد في كل صباح بتنفس نسائمه وإعادة الحياة إليه، فنصيحتي لكل من أنعم الله عليه بتجدد الأنفاس في الليل والصباح أن يتفاءل، فالتفاؤل منظومة ممدوحة لأنها تقوم على عدة عوامل إيمانية منها:
1 - الإيمان بالقضاء والقدر، فالقدر جعله الله تعالى غيبا مغيبا عن الإنسان مهما بلغ منزلته وفضله عند الله تعالى لحكمة ربانية وغاية علوية تخفى على كثير من المتحدثين والمهمومين فقد قال الله تعالى في حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (188) سورة الأعراف- فالتفاؤل في طريق الدعوات النبوية كان سبيلا للنجاح والعز والنصر والتمكين، ولم يكن في قلوب الأنبياء سبيلاً لليأس وخاصة مع طغيان الملأ وقلة الأتباع وضعفهم، ودعا القرآن الكريم إلى تسجيل أروع البطولات والتضحيات بشرط استصحاب الفأل والثقة بالنصر في رحلة البشرية، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (55) سورة النور.
2 - الرجاء: قال تعالى: (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) (57) سورة الإسراء، فقدم في هذه الآية الرجاء وهو: التفاؤل بالخير الكثير على الخوف.
3 - التوكل على الله عز وجل، فالإنسان عندما يكون متوكلاً على الله في كل أمره يكون قرير العين مرتاح البال في أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فيندفع في هذه الحياة عاملاً باذلاً ما يستطيع من جهده في سبيل تحقيق أمنياته، والوصول إلى أحلامه، مثل الطيور في توكلها على الله عز وجل في الحصول على رزقها.
وبعد فما أشد حاجتنا إلى التفاؤل لنسعد ونبني، وليكن التفاؤل عوناً لنا على تحقيق أهدافنا في دعوتنا وتربيتنا وتعليمنا وعامة أمرنا. فهل نحن متفائلون؟؟
هدى بنت دليجان الدليجان
أستاذ مشارك في التفسير وعلوم القرآن - جامعة الملك فيصل بالأحساء