Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/06/2009 G Issue 13421
السبت 04 رجب 1430   العدد  13421

سحاب
صناعة التغيير
د. عبد الإله عبد الله فهد المشرّف

 

لقد نجح الأوروبيون في بناء النظم الإدارية المتكاملة، وفي تعزيز مبادئ حرية الكلمة وفعالية الرأي العام في التغيير، واستغرق ذلك النجاح قروناً من الزمن عانت منها الشعوب الأوروبية صراعات مريرة: أهلية وإقليمية حتى تشرَّب المجتمع بكامله قيمة رأي الفرد وأهميته في تقويم كيان المجتمع فنجحوا في بناء نظمهم الإدارية على أسس ديمقراطية حققت لهم كثيراً من التفوق والإبداع على الأمم والشعوب الأخرى، ولكن ذلك النجاح استغرق زمناً لكي ينمو ويترعرع وينضح ويُؤتي أُكله، ولم يحدث بين عشية وضحاها.

وحينما حاول غورباتشوف تطبيق (البروستريكا) في الإمبراطورية السوفيتية لإحداث تغيير في مجتمع الاتحاد السوفيتي متجاوزاً عائق الزمن ومنهجية التغيير متناسياً عامل التهيئة والإعداد كانت النتيجة مرة مؤلمة أفنت كياناً سياسياً جباراً كان في يوم من الأيام عنصراً أساسياً في معادلات التغيير الاجتماعي والسياسي في الأمم والشعوب قاطبة.

إن الإشكالية التي يعاني منها كثيرٌ من صنّاع قرارات التغيير هي الخلط الواضح بين بريق الأهداف والنظريات.. وبين قابلية البيئة وكفاءة آليات التطبيق، فإغفال عوامل أساسية من مثل بناء أدوات التغيير المناسبة، وتحديد مجالات التطوير ومراحله، وتهيئة المجتمع لتقبُّل التغيير واستيعابه والمشاركة في صناعته، ومن ثم التفاعل الإيجابي المثمر معه ربما أدى إلى هدر في الوقت والجهد والمال يصحبه عادة آثار سلبية إستراتيجية واجتماعية.

إن هذا التناقض الظاهر بين الوقع العملي في الميدان، والمثالية الجامحة في مراكز صنع القرار تُوحي بأن ثقافة التغيير وصناعته تحتاج إلى مزيد من التطوير لدى كثيرٍ من القادة وصنّاع قرارات التغيير، فالمؤسسة تعيش في زمنٍ ماضٍ، والقيادة تحلم في زمن غائب والتطوير الحقيقي غير موجود.

ويمكن الإشارة إلى بعض الأسس المعينة على صناعة التغيير الناجح في ميدان العمل المؤسسي:

1- وضوح الرؤية لدى صنّاع القرار ومنفذيه حول مدى الحاجة للتغيُّر، ومن ثم دراسة البيئة المستهدفة دراسة متأنية، وتحقيق المهنية في العمل في بناء أهداف التغيير وإستراتيجياته وآلياته ومراحله.

2- إشراك الميدان في صناعة التغيير، وتهيئة المجتمع لتقبله، والتفاعل معه، والمشاركة فيه، والعمل على إنجاحه.

3- التقويم المستمر لأهداف التغيير وأدواته ومراحله، وإحداث التطوير اللازم وفقاً لنتائج التقويم وتوصياته.

4- التأكيد على مبدأ ضبط جودة المدخلات والإجراءات والمخرجات باعتبارها ركائز أساسية في تحقيق الأهداف المنشودة فالأمور ولو بدت نظرياً أنها ممكنة لمن يملك إصدار القرار فقد لا تكون كذلك لمن يقوم بتنفيذ القرار، وللبيئة المستهدفة به.

5- البعد عن سياسة قفز المراحل واختصار الزمن التي ربما أفلحت عندما يكون المنتج مادياً والمستهدف شكلياً، أما في التعامل مع التغيير المؤسسي والاجتماعي والتنمية الثقافية، فالأمر يختلف ومهما استطعنا من اختصار الزمن فلا بد من استكمال عناصر التغيير ومقوماته واتباع المرحلية في تحقيقه، وقد قيل:

قد يدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزلل

Amusharraf1@Riyadhschools.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد