Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/06/2009 G Issue 13421
السبت 04 رجب 1430   العدد  13421
توطين وتوظيف
د.ابراهيم بن عبدالرحمن التركي

 

قبل بضعة عشر عاماً، وضمن زياراته المفاجئة لإدارات المعهد، قام الدكتور محمد الطويل المدير العام الأسبق لمعهد الإدارة بمتابعة أداء عدد من الشباب السعوديين في أعمال (الطباعة والنشر) دون أن يدروا عنه أو يعرفوا بوجوده بسبب الفاصل الزجاجي العريض، ورغم أن (أبا غسان) لم يعتد الثناء إلا أنه وقف معجباً بنشاطهم وانهماكهم، وقال في تعبير استنكاري-: (ويقولون السعوديون لا يعملون! ليتهم يأتون ليروا).

** بالتأكيد يعملون؛ لأن نظاماً إدارياً فاعلاً -كما هو في معهد الإدارة- استطاع تهيئتهم وتدريبهم ومتابعتهم وتقويمهم؛ فاستجابوا للعطاء ضمن بيئة متميزة جعلتهم متميزين، وأولاء أنفسهم سيكونون غيرهم لو وجدوا مناخاً وظيفياً: متحيزاً، أو متسيباً، أو غير معني بالناتج العام والتطوير الخاص، وغير قادر على الانعتاق من إسار الأنظمة الآسنة التي لم تجد من يجددها بل من يمددها ويتمدد بها.

** هنا يجيء (الجناس) غير تام بين التوطين والتوظيف؛ فليست (الغترة والعقال) أهدافاً يجوز في ظلها الاسترخاء باطمئنان كامل إلى أن موعد انتهاء العقد هو الوصول إلى سن الستين؛ فالهوية الوطنية -في نظرهم- تكفل لك حق النوم والتثاؤب، ولا تسائلك عن الجدارة والكفاءة والإخلاص لله أولاً، وللوطن تالياً.

** والجديد هنا أن الوسائط الإعلامية التي يفترض فيها أن تقود الوعي تشارك في ترسيخ هذا المفهوم (التدميري) لأخلاقيات الوظيفة العامة والأهلية؛ فأن تكون سعودياً كاف لئلا تحاسب وتراقب وينهى عقدك وتعطى تقرير أداء ضعيفاً، وفي هذا غش للبلد، وتحجيم للتنمية، وتأكيد على أن الوظيفة إعانة اجتماعية براتب جيد ولأمد غير محدود.

**المفهوم المقلوب يؤدي لنتائج مغلوطة، والأمانة تقتضي استئجار (القوي الأمين)، ومتى وجد النظام النزيه القادر المستيقظ الذي يقدر الكفؤ ويصنع المكافأة، مثلما ينفي الخامل والمراوغ والانتهازي والفاسد فإن الواقع الوظيفي سيختلف صعوداً إلى حيث يعي الشباب مسؤولياتهم، وتتحرر الإدارات من إداريي (المحسوبية والعلاقات) الذين يوظفون بمزاج ويستغنون بمزاج.

** الإدارة الحكومية والأهلية بحاجة إلى قياديين يصنعون التغيير لا الحاكمين بالتدوير؛ وتوطين الوظائف مهم من أجل اختيار الأصلح دون أن يظن مدير أو مدار أن الوظيفة إرث عائلي يستحقه الموظف السعودي بأوراقه (الثبوتية).

** الجهاز الحي لا يؤسر بتنميط أو تهويش أو إثارة أو أرقام خادعة، وفي يوم الحساب الدنيوي والأخروي سيجيء السؤال الحاسم عن الإنجاز لا عن بطاقة الأحوال.

** علمنا شيوخ الإدارة أن الثقافة الجديدة يجب أن تكون قوية كي تتفوق على القديمة، وتظل كذلك لتمنعها من العودة، وفي هذا فصل الخطاب لمن أراد إصلاحاً وفلاحاً في الدارين.

* الثوب لا يخلق الجدارة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد