Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/06/2009 G Issue 13421
السبت 04 رجب 1430   العدد  13421
الانتخابات بين الأيديولوجيا والإصلاح
د. عبدالمحسن محمد الرشود*

 

تختلف نظم وتطبيقات الإدارة المحلية من دولة لأخرى وذلك لعوامل مختلفة سياسية، واجتماعية، وتاريخية، وثقافية، وجغرافية.. هذه العوامل تشكل الأنظمة السياسية والإدارية للدولة.. وفيما يتعلق بنظام الإدارة المحلية..

نلاحظ أنه يتأثر في أي قطر بالسياسة العامة Public Policy للدولة، والفكر السياسي الذي تتبناه تلك الدولة. ومثال ذلك نظم الإدارة في دول الخليج العربي التي تكاد تتشابه نظراً لتشابه الظروف التاريخية لهذه المنطقة وطبيعتها الجغرافية والسياسية. كما أن دول غرب أوربا لها من نظم الإدارة المحلية ما يميزها عن الإدارة المحلية في الولايات المتحدة الأمريكية، والشرق الأقصى.

وللعوامل الجغرافية الطبيعية دور في تشكيل الإدارة المحلية، فالدول ذات المساحة الكبيرة تقوى اختصاصات المجالس المحلية بها، على خلاف الدول صغيرة المساحة والتي قد يضعف فيها دور نظام الإدارة المحلية أو على أقل تقدير يقل شأنه.. فالولايات المتحدة الأمريكية لكبر مساحتها تقوى اختصاصات المجالس المحلية، وتضعف رقابة الدولة وإشرافها عليها مثلاً..

بينما نجد أن الأوضاع السائدة في المناطق الصحراوية تختلف عنها في الجبلية أو السهلية.. لذا نجد أن المملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي تبذل حكوماتها جهوداً ملموسة لتوطين البادية، وتكوين مجتمعات معاصرة مما يستغرق وقتاً أطول لتأسيس ما يعرف بالعمل المحلي، (مشاركة + تطوع + عمل خيري + جمعيات + نقابات).

كما أن للتركيبة الاجتماعية للسكان دور في صياغة نظام الإدارة المحلية مثل جنسية السكان، ثقافتهم، ودينهم، والأوضاع الاقتصادية لهم ذلك أن قلة الموارد، وكثرتها لها دور كبير في تحديد مستويات وأشكال النظم المحلية، وتشكيل مجالسها. مثال ذلك أسلوب تشكيل المجالس المحلية، البلدية عن طريق الانتخاب قد لا يلائم البلاد التي تشكو من ضعف التعليم، وندرة الكفاءات.. وعندئذ تلجأ الدولة إلى أسلوب التعيين حيث إن التخلف وضعف التعليم يؤديان حتما إلى ندرة الكفاءات المطلوبة اللازمة تتحمل المسؤولية في العمل المحلي، ويساهمان في إضعاف الإدارة المحلية!!

كما يتأثر نظام الإدارة المحلية بالوضع الاجتماعي السائد الذي يحدد ما إذا كان المجتمع المحلي تقليدياً أو حديثاً، الأمر الذي ينعكس على تكوين المجالس المحلية وعلى سلوكيات أعضائها. وبساطة النظام الاجتماعي أو تعقيده له دور كبير وله القدح المعلى على نظام الإدارة المحلية.. طبيعة الريف تختلف عن الطبيعة الحضرية للسكان.. ولذا نرى أن بعض الدول العربية المتقدمة في مأسسة العمل المحلي (لبنان) تشترط توفر عدد معين من السكان في المدينة أو القرية للسماح لها بإنشاء نظام إدارة محلية، وغالباً ما يحدد أعضاء المجالس المحلية بعدد سكان المدينة.. ففي لبنان يشترط القانون أن يزيد عدد الأهالي في البلدة عن الثلاثمائة نسمة للسماح لهم بإنشاء بلدية، ويحدد أعضاء المجلس البلدي بمعدل 8 أعضاء لكل ألفي نسمة، وعشرة أعضاء للبلدية التي يتراوح سكانها بين ألفين وأربعة آلاف نسمة مثلاً.. كما تشير بذلك المادتان 3 و9 من المرسوم الاشتراعي رقم 118، قانون البلديات، بيروت عام 1977م.

كما لا يقتصر أثر الدور الاجتماعي والاقتصادي على تكوين الإدارة المحلية بل يتجاوزه إلى اختصاصات المجالس المحلية (المناطق) ومواردها المالية.. فكلما توافرت المحلية موارد مالية كافية، زادت إمكانياتها التنفيذية، وحريتها الإدارية.. وبالعكس فإن ندرة الموارد المالية، واعتماد الإدارة المحلية (المناطق) على إعانات الدولة يجعلها تحت رقابة شديدة منها ويزيد من سلطة الدولة وإشرافها عليها... وانطلاقاً من ذلك كله نجد أنه من الصعوبة بمكان الحكم على نظام ما للإدارة المحلية دون النظر إلى العوامل المحيطة بذلك النظام.. كما لا يمكن مقارنة ذلك النظام بنظم أخرى دون النظر للشروط الموضوعية، والإمكانات المتاحة له ذلك أن النظام المحلي يعكس الأوضاع الخاصة بكل دولة دون غيرها.. فمن الملاحظ أن أنظمة الإدارة المحلية في الدول العربية قد تتشابه في مبادئها الأساسية مع هذا النظام الأوروبي أو ذاك.. لكنها في التفاصيل تختلف عنها لظروفها الموضوعية التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة بها.

ومما تتأثر به أنظمة الإدارة المحلية العوامل والمناخات الثقافية السائدة ذلك أن لكل أمة ثقافة خاصة بها تؤثر في نظرتها إلى الحياة، وتتكوَّن ثقافة أية أمة من مجموعة من القيم والمعتقدات، والاتجاهات والمهارات والأشكال الاجتماعية والملامح المادية ولذا نرى أن الانتخابات وهي عماد الإدارة المحلية والحكم المحلي.. اختلفت في آلياتها وطبيعتها في كل من الكويت، إيران ولبنان عنها مثلاً في الانتخابات الأمريكية.. فعندما تبرز القضية (الطائفية اللبنانية) في انتخاباتها، وتتضح الاشكالات الاجتماعية الثقافية في انتخابات (الكويت) تبرز (الإيدولوجيا) في الانتخابات الإيرانية بين (المحافظة والإصلاح) بين ولاية الفقيه، والإصلاحيين البراغماتيين المتماهين مع الأوضاع الاقتصادية لإيران وعلاقاته الدولية والعربية والخليجية.. كل ذلكم يختلف عن انتخابات (الولايات المتحدة الأمريكية) النموذج العالمي الفريد (أوباما)!!

ولهذا تعتبر ثقافة الأمة أو الدولة إطاراً كبيراً تتبلور داخله المعايير الأساسية للحكم والإدارة والعلاقات بين الأفراد ومثال ذلك النظام الإسلامي الذي يعتمد أسلوباً من أساليب الحكم والإدارة، ويتخذ من القرآن الكريم محوراً للأنظمة السياسية والاقتصادية والإدارية.. وبما أن المملكة العربية السعودية تطبق الشريعة الإسلامية.. كان لها نظام إداري محلي مختلف يواكب حداثة تجربة الدولة من حيث البناء والتأسيس والتوحيد حيث 1351هـ.. توحدت البلاد.. وأول قانون إداري محلي يمثل التقنين الأول للإدارة المحلية في المملكة كان عام 1359هـ أي بعد توحيد المملكة بثماني سنوات.. واستمر إلى أن صدر نظام المقاطعات، 1383هـ .. ولم يطبق لظروف معينة وجاء التطبيق الأخير لنظام الإدارة المحلية ممثلاً في نظام المناطق الصادر عام 1412هـ المعدل عام 1414هـ.. ولا يحمل في طياته أي مشروع انتخابي هل هو لحداثة التجربة، أو قلة الكوادر المحلية، أو التدرج في الانتخابات مثلاً بالمجالس البلدية، ثم المجالس المحلية ثم مجالس المناطق ثم الشورى.. لا نعلم ذلك. الأيام وحدها ستكشف علاقتنا بالانتخابات!!.

* متخصص في الحكم المحلي من جامعة لندن



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد