لا ألوم مَن يكتب الشعر في بداياته تبعاً لما يقرأ؛ فالمسألة هنا مجرد تجريب للقدرة على كتابة شيء يأخذ من الشعر شكله الخارجي كالوزن والقافية والبحر؛ فالطالب في السنة الأولى الدراسية يحاول جاهداً كتابة ما يشبه حروف الهجاء والفرق هنا أن من يحاول كتابة الشعر وقد تجاوز مرحلة الطفولة قد يعرف ما يريد أو ما يفترض أن يكتبه ومع التمرين الكثيف وجدية المحاولة ونوعية البيئة المحيطة التي لها بالغ الأثر في دفع المبتدئ إلى الأمام، فمن يعيش في مجتمع يشغل الشعر من مجالسه حيزاً كبيراً غير مَن لا يعرف فيمَن حوله من له أي اهتمام بالشعر.

وتبعاً لما سبق فإن الموهوب الحقيقي يستطيع مع كثافة التجارب والمجالسة والاطلاع والطموح وحب التفرد والتميز أن يكتب ما يسجل على أنه بصمة خاصة بين آلاف ممن يظنون أنهم بمجرد معرفتهم بالوزن والقافية أصبحوا شعراء، وهناك فئة موهوبة فعلاً ولكنها تفتقد القدرة على الاستقلال؛ فتجد التقليد سمة بارزة في مَن يتعاطون الشعر، فإن كان لدينا مئة شاعر متميز فلكل شاعر مئة مقلد يتفاوتون في القرب والبعد عنه؛ ظناً منهم أن نجاح شاعرهم المفضل قادر على استيعاب مقلديه، وهذا التصرف إذا لم يتنبه إليه المبتدئ فقد يجعل منه صورة ممسوخة لنجم ما.

وهناك مَن يقلد نجمه في الموضوع أو الفكرة أو المفردة أو البحر أو الغرض وقد يصل ترسمه لخطاه إلى ما يدعو إلى الضحك كالتشبه بصوته وهيئة لبسه ومشيته وهواياته وسيارته وألوانه المفضلة، وما يدفع الواحد من هؤلاء أو (الموهوب الجبان) منهم ظنه أن النجاح لن يتحقق له إذا خرج من حضانة نجمه الذي ربما لا يسعده ذلك أبداً كما لا يسعد الجمهور الذي يرفض أن يرى صورة مشوهة من نجم لامع له خطه المستقل، ورؤية ذلك لا تكلف من يريد التأكد مما أقول إلا ساعة بث من عدة قنوات فضائية أو عدد من المجلات أو الصحف المعنية بالشعر.

فاصلة

يأخذ عليّ بعض الإخوة استشهادي بالفصيح من الشعر دون الشعبي وأنا أحترم وجهة نظره ومن حقه أن يعلم أن هدفي من ذلك جذب عشاق الشعر الشعبي إلى واحات الفصحى الرائعة والتزود منها بما يطرب ويمتع ويغذي ويثري الفكر والوجدان.

وقفة ل (خالد الفيصل):

* * *