Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/07/2009 G Issue 13443
الأحد 26 رجب 1430   العدد  13443
اما بعد
المعاتبة بالإحسان
د. عبدالله المعيلي

 

في كل إنسان نفس أمارة بالسوء، تسوغ له فعل الشر وتزينه في نظره، وتدفعه بإصرار إليه، ويلاحظ على من سيطرت عليهم هذه النفس التي تزين السوء وترغب فيه، أنه لا يقر لهم قرار، ولا يهدأ لهم بال، حتى ينالوا من إخوانهم، وينقادوا كما ينقاد مسلوب الإرادة، وراء رغبات تلك النفس التي تزين لهم فعل كل سوء ومكروه، يمارسون بشغف عارم ما تمليه عليهم من إلحاق الأذى بالآخر، وأكل الحقوق، وكيل المكائد والمكر، والاستمتاع بالغيبة والنميمة، يتميزون غضبا وغيظا عندما يرون غيرهم في خير وسعادة، ويتلذذون ويسعدون عندما يظفرون بما ليس لهم فيه حق، وترتاح نفوسهم وتهنأ للإيذاء، ويطربون عندما يرون أو يسمعون أن مكائدهم وحبائلهم حققت ثمارها، وبلغت مقاصدها، وألحقت الضرر بذاك الآمن المطمئن.

ومن طبائع الأمور ومسلماتها، أن النفس الحرة تأبى الظلم والضيم، وأنها تنفعل وتضطرب عندما تتعرض لما يسوءها، لكن ردود الأفعال على الشر والإساءة تختلف من شخص لآخر، ولكل سلوك يترتب على ردة الفعل، نتائج وتبعات، وأفضل النتائج يتجلى ويتحقق فيما يتوافق مع ما أرشد إليه رب العالمين ورغب فيه.

فما ردود الأفعال المتوقعة على الإساءة؟ وما الذي يترتب عليها؟.

من الناس من تكون ردود أفعاله منفعلة غاضبة عاصفة، يرد السيئة بعشر أمثالها، يبالغ في الإساءة والانتقام، لكن يبدو أن هؤلاء ما علموا أن (الانتقام لا يمحو الإهانة) وأن (لذة الانتقام لا تدوم سوى لحظة، أما الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلى الأبد)، يقول موسى بن جعفر: (ما استب اثنان إلا انحط الأعلى إلى مرتبة الأسفل)، ويقول فرانسيس بايكون:(الانتقام عدالة الهمجيين)، ومعلوم أنه إذا كانت ردة الفعل شتما فإن كرة الشتائم سوف تكبر وتنال من الاثنين كليهما.

ومن الناس من يتغافل عن الإساءة، يهملها ولا يلتفت إلى الوراء أبدا، يترفع عنها وعن دنس التصادم مع المسيء، على الرغم من قدرته على النيل ممن أساء إليه، والسبب يعود إلى رغبته في أن يفوز بما وعد الله به عباده (الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) اقرأوا الآية 134 من سورة آل عمران، ولإدراكه أن تسعة أعشار الخلق في التغافل، والتغافل في هذه الحالة يدل على قوة الإرادة، وسمو النفس، وعلو المكانة، والمتغافل عن الإساءة يدرك أن:

العفو أحسن ما يجزى المسيء به

يهينه أو يريه أنه سقطا

وقال المنتصر: (لذة العفو أفضل من لذة الانتقام، لأن لذة الانتقام يلحقها سوء الثناء، وذم العاقبة، ولذة العفو يلحقها حسن الثناء، وحميد العاقبة).

ومن الناس من يتحمل عبء الإساءة وقسوتها، وما يترتب عليها من تبعات نفسية واجتماعية، وفوق هذا وذاك تجده يدرأ بالحسنة السيئة، ويقابل الإساءة بمد اليد للمسيء، يحسن إليه، يسترشد بهدي الله باتباع المنهج الحق في التعامل مع صنوف الإساءات، وهذا يتطلب أن يوطن الإنسان نفسه على أن ترقى فوق الصغائر، يستصغر الإساءة مهما كبرت، ويقلل من شأنها وقيمتها مهما عظمت، منتظرا ما سوف يحظى به عند إهمالها وتجاوزها، يقول عمر بن الخطاب - ويقال إن القائل علي - رضي الله عنهما:(إني لأستحي أن يكون ذنب أعظم من عفوي، أو جهل أكثر من حلمي، أو عورة لا يواريها ستري).

ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه)، يروى عن أحد التابعين (يقال إنه الحسن البصري رحمه الله)، أن أحد محبي أكل لحوم الناس نال من عرضه وتطاول عليه سبا وشتما، فما كان من هذا التابعي إلا أن اشترى هدية واتجه إلى بيت ذاك المبتلى، طرق بابه، فوجئ (آكل لحم أخيه) بأن الرجل يهديه هدية، تعجب وقال له: تهديني وأنت تعلم أني أسبك وأغتابك، قال التابعي: نعم أعلم ذلك، وأعلم أنك تهديني أعظم من هديتي لك، (الحسنات) تصوروا نبل هذا موقف، إنه درس في الإحسان ما أحوجنا إلى التأسي به، لذا سارع أخي الكريم إلى حصر كل من أساء إليك، وبادر بالإحسان إليهم، فإن تعذر عليك ذلك، فدعوة صادقة منك بأن يغفر لله لهم، جرب هذا وستجد نفسك مطمئنة راضية، مرتاحة من حمل ثقيل، وهم كبير.



ab-moa@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد