Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/07/2009 G Issue 13443
الأحد 26 رجب 1430   العدد  13443
ماذا فعل الفقيه في دولة ولاية الفقيه؟
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

قد تكون السياسة وسيلة لتحقيق غاية، وقد تصبح في وقت ما غاية في حد ذاتها توظف كافة الوسائل، أياً كانت لتحقق أهدافها ومصالحها. هذا إذا ما أفرغت السياسة من مضامينها الواقعية الحقيقية، وتجردت من منطقها الدبلوماسي المعروف، وخرجت عن أطرها التفاوضية المعهودة وغدت مطية لكل من لا يعرف كيف يمتطيها.

منطق التاريخ ومعه منطق الواقع يؤكدان أنّ السياسة الحقيقية كانت ولازالت تعد وسيلة لتحقيق غاية، هنا تحديداً قد تختلف الغايات بين الدول والشعوب وقد تتناقض، ومع هذا تبقى السياسة وسيلة لتحقيق غايات أو مصالح الدول وفي توجيه علاقاتها، ولكن لا يمكن أن تصبح غاية في حد ذاتها، لأنها في ذلك الحال تتصادم بعنف مع بقية الغايات الإقليمية والدولية.

بيْد أنّ الخروج عن هذا المنطق الطبيعي يعني الخروج على منطق التاريخ، وهو الأمر الذي أدى إلى نشوب الحروب والصراعات الدامية على مدى التاريخ بين الدول التي أودت بأرواح الملايين من البشر وساهمت في تراجع مسيرات التنمية في الدول التي نكبت بفاجعة سياسة الغاية، لا سياسة الوسيلة.

التحول هذا ممكن حدوثه في حال وجود سياسة بلا سياسيين، بمعنى أدق سياسيون يمارسون السياسة بمنطق عقدي متجمد يرى الواقع الإنساني بلونين فقط، إما الأبيض أو الأسود، أما بقية الألوان فتصبح باهتة مضافة إلى كلا الجانبين الأبيض أو الأسود. مجرّد الرؤيا هنا بهذا المنطق تفقد رونقها وقدرتها على التمييز بين حقائق الأحداث وتطورات الأمور ومكامن القضايا وخلفياتها.

هذا ما لمسناه حتى اليوم من محصلة سياسات ولاية الفقيه في إيران بعد أن مارس الفقيه السياسة الإقليمية والدولية منذ إيران الثورة لتقحم إيران في حروب وصراعات إقليمية، ومن ثم دولية لعبت دوراً رئيسياً في التهاب حالة المنطقة أكثر وساعدت بشكل سافر على فتح فجوات عدة للتدخلات الخارجية بوسائل مختلفة.

فولاية الفقيه في إيران بمنطق الفقيه ومرجعية الفقيه لا يمكن أن تقبل بمنطق السياسة المرن الذي ينفتح على كل منطق، ويتفاعل بسلاسة مع أي منطق، ويتقبل بشفافية التعايش مع أي منطق. فالغاية في منطق الفقيه لا تقبل التفاوض، ولا تعترف بوسيلة الأخذ والعطاء، ولا بإستراتيجية التراجع ولا التغيير، بل ولا حتى بآليات التقييم والتعديل بغية إعادة التصحيح والتصويب.

ينطبق هذا المنطق على السياسة الخارجية الإيرانية التي بدأت مع إيران الثورة على المنطقة برمتها في عام 1979م، ثم سكنت تدريجياً عندما حاولت إيران التحول من تلك الحقبة إلى حقبة إيران الدولة في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي تحديداً منذ عام 1998م، لكن لتعود مرة أخرى في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد في عام 2005م إلى حقبة إيران الثورة ليس على المنطقة وحسب، وإنما على العالم كله.

إيران الثورة على المنطقة والعالم كله بدأت مع بداية الملف النووي الإيراني الذي يهدف بالدرجة الأولى من تبنّيه إلى تحقيق غاية التفوق المطلق على دول المنطقة، بغيبة فرض الإرادة السياسية الفارسية على الدول العربية وغير العربية، ومن ثم الوقوف على قدم المساواة في منطق القوة مع نادي الدول العظمى النووي، ليس وحسب لتقبل دور إيران المهيمن على المنطقة، وإنما للحفاظ على مكتسبات إيران الثورة وتعظيمها على مستوى المنطقة برمّتها ومن ثم لاستخدامها كوسيلة في إدارة ملف الصراع الإيراني الغربي.

الذي يحدث اليوم في إيران الفارسية لا يمكن عزله عن أطماع إيران التاريخية في المنطقة، ولا عن مجريات أحداث التاريخ، فالتاريخ يعيد تكرار نفسه في ذات المكان لكن بأشكال مختلفة، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الأدوار واللاعبين، وبالطبع اختلاف الأحداث التي تساهم في ذلك التكرار. فالدولة الصفوية هي التي ابتدعت منطق ومبدأ ولاية الفقيه، وهي التي أوجدت الفروقات والاختلافات العقدية في المنطقة حفاظاً على بقاء واستقرار إيران الفارسية.

لكن قد يقول قائل إن إيران اليوم تواجه تحديات داخلية قد تهدد إيران الثورة وبذلك تهدد ولاية الفقيه بعد أن ظهر الخلاف بين الآيات والمرجعيات الدينية الإيرانية على كرسي الرئاسة الذي فاز فيه الجناح اليميني المتشدد من الآيات على حساب الجناح المعتدل منهم. هذا القول وإن يبدو واضحاً في مظهره، لكن قطعاً لا يمكن أن يكون صائباً وصحيحاً في جوهره. إذ إن هناك اتفاقاً قاطعاً بين مجمل فقهاء إيران على قواعد اللعبة الرئيسية، وإن بدا واضحاً وجود شكل من أشكال الاختلاف على وسائلها وأدواتها وطرق إدارة الخلاف، لكن لا يصل إلى مرحلة الصراع الدامي.

من هنا أياً كانت نتائج الخلاف السياسي الحالي الواقع في إيران، وأياً كانت نتائج الصراع على كرسي رئاسة الجمهورية، فنهاية المطاف باقية في بقاء منطق ولاية الفقيه وحكمه الفردي، وسفينة الصراع والعراك الدائر ترسو لا محالة على تولية تابع من أتباع هذا الفقيه أو ذاك ... ويبقى الشعب الإيراني وسيلة لتحقيق غاية ولاية الفقيه الذي حوّل السياسة الإيرانية من وسيلة إلى غاية تكمن وراءها غايات.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد