صدرت عن منشورات (البيت) بالجزائر، في إصدار مشترك مع وزارة الثقافة الجزائرية، أول (انطولوجيا للأدب الإريتري) المكتوب باللغة العربية، بعنوان (مرايا الصوت)، من إعداد الكاتب والصحفي محمود أبو بكر (مراسل الجزيرة بالجزائر)، وضمت المجموعة، بالإضافة إلى المقدمة التي أتت تحت عنوان (إضاءة أولى)، عدداً من النصوص الشعرية والقصصية والروائية.
وتوثق المقدمة تاريخ اللغة العربية في إريتريا والذي يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد وهو تاريخ انهيار سد مأرب في اليمن القديم، حيث وفدت أعداد كبيرة من الناس نحو الأراضي الإريترية (الحالية)، حاملة معها اللغة العربية ومجموعة من الموروثات والتقاليد وأنماط حياة مغايرة لما هو سائد في الوطن الجديد، بدءاً من طرق الزراعة على المدرجات الجبلية إلى غيرها من الأنماط الثقافية والحضارية .. كما تكشف النصوص عن التجارب الأدبية الإريترية التي تحتفظ بخصوصيتها بالرغم من مواكبتها للتجارب العربية والعالمية، حيث يبدو توظيف (الموروث الشعبي والتراثي الإريتري) واضحاً في هذه الأعمال، فضلاً عن (حضور التاريخ) وهواجس الهوية التي تبدو جليةً وواضحة، سيما أنها نتاج مجتمع عاش تجارب طويلة مع الحرب والكفاح في سبيل الاستقلال، والذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
السمة الأخرى التي تتميز بها المجموعة هو قدرتها على الكشف عن (التعددية الثقافية واللغوية والدينية) التي تزخر بها تلك الدولة الصغيرة المطلة على البحر الأحمر في محاذاة مع عدد من الدول العربية.
فيما أن (روح النصوص) وتقنيات الكتابة لم تختلف كثيراً عن الأعمال الإبداعية العربية الراهنة، سواء في الشعر الذي أتى متنوعاً بين العمودي والتفعيلة، أو القصص القصيرة التي احتلت مساحة واسعة في المجموعة بسردية عالية، أو الرواية التي بدت أقل حضوراً ولكن بشعرية لا تخطئها العين خاصة في نصي (أحزان المطر لأحمد عمر شيخ) و(تايتنكات إفريقية لأبي بكر حامد)، هذه الأخيرة التي تؤرخ لظاهرة (الهجرة غير الشرعية) التي أصبحت تقود الشباب الإفريقي لركوب قوارب الموت من أجل الوصول إلى أوربا.ومما يعمق أهمية المجموعة أنها تكشف عن تجارب مختلفة ومتعددة لأدباء يلتقون في مفردة (الوطن) ويفترقون في كل شيء دونه - كما تنص المقدمة - سواء على مستوى التجارب الأدبية - الفنية، من مدارس وتيارات أدبية أو فكرية أو على مستوى السياق التاريخي والإنساني لمبدعيها، حيث تشير التعريفات المصاحبة لكل عمل، أن تواريخ ميلاد المشاركين في هذا الإصدار، تتراوح بين بداية العشرينيات من القرن الماضي وحتى نهايات السبعينيات، مما يعبر عن الأجيال الإبداعية المتعاقبة التي تعكس تجاربها من خلال هذه النصوص.