لايمكن للأزاهير أن تنبت إلا في تربة صالحة غير سبخة، وليس لها أن تنمو إلا إذا اكتنفتها أيدي الرعاية، ونسقتها أنامل العناية، وحمتها من الرياح وهبوبها.
كذلك الموهبة التي تستبطن أغوار النفس، وتتفيأ ظلال المشاعر، ستبقى حبيسة في قفص الأضلاع إلا إذا رزقت رجالا يسعون لى فك أسرها، واستخراجها من أعماق الجسد، حتى تصقلها التجارب، كما تصقل الشمس النبات وتغذيه بالضوء.
في نهاية كل عام دراسي يتطلع الغيورون على أوقاتهم إلى ما يحفظها من الهدر والضياع، ويسعون إلى سد الثلمة التي تحدثها الإجازة في أوقات بعض الناس، بعدما كانت ملأى بالعمل والمثابرة طوال العام الدراسي.
لم تغفل وزارة التربية والتعليم عن هذا الأمر ولم تغفله، فهي تقوم مشكورة بافتتاح النوادي الصيفية في الإجازة، لتحتضن الشباب وترعى مواهبهم في بيئة - نحسبها - صالحة، فتتدفق إبداعاتهم في النادي، وتفيض على المجتمع من حوله فينتفع ويستمتع، كالسيل الذي ملأ جنبات الوادي، ولم تكن الزُّبى منيعة عليه، فيبلغها، ويجاوزها إلى ما يجاورها، وكذلك كل ذي طاقة لا يمكن أن يحد نشاطه.
إن هذه النوادي الصيفية لتروي ظمأ الظامئ للعمل، فيجد نهراً بل أنهاراً من الأعمال والمناشط، فيعب منها حتى يطفئ غلته، وما إن تنقضي مدتها حتى يرى الشاب أنه استنفد طاقته التي يكتنزها جسمه فيما يعود عليه بالنفع، فيهدأ ويهنأ.
نجد أن لهذه النوادي الصيفية فضلا على مرتاديها، فهي تضيف إليهم تجارب، وتضفي عليهم خبرات.
كم من خطيب انطوت بذرة الخطابة في جوانحه، فسقتها هذه النوادي، ورعتها حتى ترعرعت، واستوى صاحبها على المنابر خطيبا يعجب السامعين ويغيظ الشانئين، وكم من رسام رسم في مخيلته لوح يحتشد فيها رجال على العمل والجد، ثم انتظم بهذه النوادي، فجسد لوحته الخيالية حقيقة على أديم جدرانها، فأضحى يشار إليه ببنان الإعجاب في عالم الرسم، وكم من مبدع في مجال ما، تزود من محطات هذه النوادي بوقود، إلى أن حلق وأقام نجما في سماء الإبداع والتميز.
وتتبعوا - إن أوجستم من حديثي مبالغة وإطراء لهذه الصروح التربوية - سير عدد من الرجال الذين امتطوا كراسي المسؤولية في الدولة - حرسها الله - فإنكم ستجدون شهودا عدولا، ووثائق رسمية تثبت بالحجة والدليل أثر تيك النوادي الحميد في بناء شخصياتهم، ولقد لمح بعضهم إلى ذلك وصرح، ومن أبرزهم معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق، ومعالي مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله العثمان - حفظهما الله وسددهما-، وغيرهما كثير.
ولقد تعود بعض كتاب الصحف كل عام أن يثيروا غبار الأباطيل على صروح التربية والترفيه في الصيف، فيزكموا بذلك أنوفنا، ويصيب رؤوسنا الدوار من كلامهم الفارغ من الحقيقة.
ولم أجد تأويلا لصنيعهم هذا إلا في قول المتنبي: (لكل امرئ من دهره ما تعودا)، ولم أهتد إلى معرفة سر تحاملهم عليه إلا في قول الشاعر: (والناس أعداء لما جهلوا).
أشكر الوزارة على هذه الخطوة التليدة الجديدة، كما أهنئها على وصولها إلى الأهداف المأمولة منها، نفع الله بها، وسدد القائمين عليها.
- الدلم