Al Jazirah NewsPaper Saturday  25/07/2009 G Issue 13449
السبت 03 شعبان 1430   العدد  13449

حديثنا والإتيكيت
مي عبد العزيز السديري

 

قال فيلسوفنا أبو العلاء المعري:

وإني وإن حبيت الخلد فرداً

لما أحببت في الخلد انفراداً

لقد عبّر أبو العلاء عن طبيعة الإنسان فهو لا يشعر بالسعادة إلا مع الآخرين ولكن إذا كان ذلك الأمر لابد منه فإن هناك آداب السلوك التي تفرض عليه أن يخاطب الناس بطريقة لا تؤذي مشاعر الآخرين.

لقد قال سبحانه: (كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) فلِمَ لا يكون الإنسان شجرة طيبة بحديثه الطيب؟! لقد أعطانا الله نعمة النطق وأداة ذلك هو اللسان، فليكن استعمالنا لهذا العضو في الخير، خيرنا وخير الآخرين وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه: (لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه وما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه).

من المعروف أن سكان منطقة البحر الأبيض المتوسط والعرب عاطفيون يتكلمون دون ضبط لألسنتهم دون أن يعرفوا أن فلتات ألسنتهم تسبب لهم كثيراً من العثرات وعلى الرغم من أنهم لا يقصدون ما يقولون وينسون أن هناك شيئاً اسمه فن الحديث وإذا تحاوروا مع الغرباء ينتهي حديثهم بعداوة لا حدود لها ولا أدري ما الفائدة التي يحصلون عليها بهذا الحوار؟ وإن النتيجة المؤكدة لمثل هذا الحوار غير المبني على (فن) الحديث هي التباعد بين الأطراف، الأمر الذي يولد الأحقاد والأضغان بينهم ولم يكن لمثل هذا الأمر أن يحدث لو كان هناك احترام للرأي الآخر، قد يختلف الإنسان مع أخيه في الرأي ولكن ذلك الاختلاف يجب أن يبقى ضمن حدود الحوار المهذب والاحترام المتبادل، وأن يترك الأمر لله الذي يحكم بين البشر وهو أعدل العادلين إذ إنه لا يجوز للإنسان أن ينصب نفسه قاضياً ويحكم على أخيه الإنسان حسب رغباته وأهوائه وأن يحشو ذاكرته بفيضٍ من الصور السوداء على من خالفه الرأي حتى يصل في نهاية المطاف إلى ما نسميه الشماتة بذلك الإنسان إذا أصابه مكروه وهو لا ذنب له إلا مخالفة الآخر بالرأي، ولدرجة أنه لا يبقى لدى الطرف الأول سوى التمني بالشر للشخص الآخر وإذا صدف أن الله أكرم من خالفه الرأي نجد أن الطرف الأول قد ظهر عليه الغضب والامتعاض، وقد وصف الله هذا الصنف من البشر حيث يقول في سورة آل عمران - الآية 120 (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا).

ولكن على هؤلاء الناس أن يتذكروا أن الله يقول في سورة البقرة الآية 155 (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) علينا أن نتذكر أن الإنسان معرض لأيام سراء وضراء وينبغي أن نتعامل مع الآخرين على هذا الأساس ويحضرني في المقام قصة فقير طرق باب أحد الأثرياء طالباً صدقة فرده بجفاء وقال (ارجع إليّ غداً) فسمعه الأخ الأصغر وركض خلف ذلك الفقير وأعاده ليعطيه شيئاً من مال الله، فغضب الأخ الأكبر فقال له الأخ الأصغر: (هل تضمن نفسك أن تبقى حياً إلى الغد)؟

(وهل تضمن أن يبقى هذا السائل حياً وفقيراً إلى الغد)؟ استوعب الأخ الأكبر مضمون أسئلة أخيه الأصغر واعتذر له وأعطى السائل نصيبه.

دعونا نأخذ درساً من هذه القصة فنعتذر حيث يتوجب الاعتذار ونعترف بالخطأ إذا أخطأنا فنصلح الخطأ وأن نتعامل مع بعضنا بموجب قواعد الإتيكيت التي تحدد لنا الأسس السليمة للسلوك البشري والتي تعارفت عليها الحضارات الإنسانية وهي:

1- لتكن وتيرة صوتك لطيفة معتدلة لا قساوة فيها ولا حدة.

2- تنازل عن الكلام لمن هو أكبر سناً.

3- لا تلجأ إلى الكلام المصطنع.

4- لا تقل لمن أخطأ (أنت مخطئ) بل قل (قد تكون على صواب أما أنا فأظن..).

5- لا تحاول التعرف على أسرار غيرك وإذا استودعك أحد سراً كن كتوماً ولا تفشه.

6- اترك جانباً الحديث عن السياسة والمواضيع الخلافية لتجنب الاصطدام مع من تتحدث معهم.

7- تجنب الحديث عن نفسك وعن مآثرك وعن صحتك أو مرضك.

8- كن متواضعاً في حديثك واستأذن لتأخذ الكلام.

9- لا تهمس بأذن أحد وأنت في مجموعة.

10- لا تتبادل مع بعض الحاضرين نظرات فيها غمز بالآخرين.

11- لا تتحدث إلى صديقك بلغة أجنبية وأنتما بين أشخاص لا يعرفون هذه اللغة.

12- يجب أن تولي محدثيك الانتباه التام، دعهم يتكلمون وأصغ إليهم بصمت واهتمام، وكلما أصغينا إلى الآخرين نكون أقرب إلى قلوبهم.

13- لا تهزأ بأحد وامتنع عن المزاح.

14- لا تكذب في حديثك ولا تحلف.

15- لا تتملق ولا تستغب ولا تشهر.

16- احذر أن تكون من المداحين، بل أصدق القول وقدم النصح بمحبة وانتقِ أصدقاءك بحرص.

17- مارس الثناء والشكر بكثيرٍ من الأدب واللياقة.

18- إذا كان لابد من المناقشة في حديث ناقش بهدوء ووعي واستند في مناقشتك إلى علمك وثقافتك وإلى المنطق السليم وإياك والصياح والتجريح، وفي النهاية يمكننا القول إن المحادثة هي فن في حد ذاتها مهما اختلفت آراء المتحدثين وهي مفيدة لأنها تنشط العقل الذي يضعف بسبب الجلسات الطويلة أمام التلفزيون حيث إن عرض المواضيع الكاملة النضج تدفع إلى الخمود الكامل.

19- ليس من اللطف والذكاء تكرار الاستغراب لأمور تبدو عادية ومألوفة لدى الآخرين.

20- عند الحديث حاذر طرح أسئلة ذات طابع شخصي.

21- ليس من المستحب التطوع بطرح رأي أو تقديم نصح لم يطلب منك تقديمه.

22- ألا تقاطع الآخرين عند الحديث.

23- لا تكن ثرثاراً وتعتقد أن الآخرين يستمتعون بكلامك كما تستمتع به أنت.

24- لا تغرق موضوعاً تافهاً بالتفاصيل والأحداث التي لا تهم الآخرين.

25- تجنب الحديث في موضوع تجهله وعليك استخدام كل المعلومات والبيانات الحديثة إذا كنت ترغب في الاشتراك في نقاش عن موضوع مهم لا تفهمه.

26- إذا كان النقاش يدور في موضوع بعيد عن معارفك أو ثقافتك فمن دواعي الأدب أن تنصت ومن الذكاء أن تحاول الاهتمام به وفهمه.

27- لا تقل (هو) أو (هي) عن شخص ثالث موجود بين المتحدثين.

28- لا تغتب شخصاً غائباً أمام أشخاص لا تدري إن كانوا أقرباء له أو أصدقاء.

29- إذا كان لديك بعض الضيوف فيجب أن تحرص على أن يكونوا هم محل الاهتمام والصدارة لا أنت.

30- لا ضرورة لتصحيح بعض الأغلاط إذا كانت هذه الأغلاط تؤذي أحداً.

31- لا يجوز مثلاً أن تسرد النكات في المناسبات المحزنة أو أن تتحدث عن الكوارث والأمراض في المناسبات السعيدة.

32- من غير اللائق أن تسأل المريض عن مرضه، أو الأم الثكلى عن سبب وفاة ابنها، أو الزوجين المطلقين عن سبب طلاقهما، ومن غير اللائق التحدث إلى الجارة الجديدة عن مشاكلك مع زوجك.

33- ليس من اللائق مقاطعة المتحدث ولا أن تكذبه إذا شعرت أنه على خطأ بل يمكنك القول (أعتقد أن الأمر كذا وكذا) أو (حسب رأيي أن الأمر كذا وكذا) ولا يجوز أن تقول (إن ما تقوله غير صحيح) أو (هذا كذب وافتراء).

34- إذا كان أحدهم يروي قصة أو واقعة وأنت تعرفها فلا تقاطعه لتسبقه في الحديث وتعلن الخاتمة.

35- إذا استخدم أحدهم كلمات وتعابير غير صحيحة فلا تصحح ما يقوله بطريقة فظة بل حاول أن تستعمل الكلمات نفسها بشكلها الصحيح في خلال حديثك معه، وعندها يدرك هو الخطأ بنفسه دون أن تحرج شعوره.

36- لا يليق طرح أسئلة شخصية كأن تسأل أحدهم عن دخله الشهري أو عن إيجار بيته، أو ثمن سلعة اشتراها.

حكمة: إن في الصمت ما هو أرقى مما هو في الكلمة وما يترتب على الجهل به أخطر على المرء مما يترتب على الجهل بالكلام المنمق وقد قال أحد الحكماء: (حتى الأحمق إذا صمت يعد حكيماً).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد